هناك أوراق تاريخية لا يمكن أن تمر مرور الكرام، خصوصاً وهي تحمل في جنباتها ما يشبه الانتصار أو النجاح المختلف في ملف اجتماعي أحيط بالتعقيد والوعيد والتهديد وتوزيع التهم إلى من مال معه أو رأى منطقيته وقبوله. ملف قيادة المرأة والمتوّج بالنقلة التاريخية، عاش عمره ملفاً حاداً لسنوات طويلة وتسيّد الملفات ذات الصراع العنيف وتصفية الحسابات بين الفرق التي تتلذذ بالمعارك الاجتماعية. هذا الملف أغلق أخيراً ب أمر سامٍ، ولن يغلق كملف سخرية وشد وجذب بدءاً من السادس والعشرين من سبتمبر لعام 2017، وهنا أقف عند التاريخ الأشهر لإغلاق الملف الأسخن والمضي نحو سطر جديد. طبيعة مجتمعنا السعودي المائلة للممانعة والمعارضة للتغيير وتغليب الشك والخوف ورواج الفتن، هي طبيعة معلومة تشهد بها قائمة من المنعطفات والقرارات التي وضعت الممانعة على جانب الطريق، ومضت لتغليب الواقع وما يقوله العقل، لا التصلب عند حرج العادات وصوت العواطف الزائد عن الحاجة. وكعادة التحولات الاجتماعية، فلن نعدم طائرين في فضاء التواصل الاجتماعي والمتحمسين في ميادين النقاش وساحات الاتصال، لضخ مزيد من الثرثرة لكونهم يحملون عقولاً تستشعر الأخطار والكوارث وتقرأ كفوف المستقبل بطريقة تجبرك على أن تتبناهم كمساهمين صريحين وفاعلين في صناعة أي قرار وطني. كما أن جملهم المتشنجة المتشائمة تتحدث وكأن القرارات ذات العلاقة بالملفات الوطنية هي قرارات تطبخ على عجل وتأتي في هيئة اندفاع غير محسوم النتائج ولا محسوب العواقب. أغلب الذين تذبذبوا لم يعبروا بدقة في تفاصيل الأمر السامي، الذي أراه بارعاً شاملاً منتقى الكلمات بحرفية عالية، ومؤكداً أن ملف قيادة المرأة للسيارة أشبع طرحاً ونقاشاً وعبر على كثير من الوجوه والجهات حتى انتهى إلى التأييد وغلبة القيادة. لكن الممانعين - صدقاً – يتعلقون دوماً بما تيسّر من النصوص ورصيد الذاكرة والمساس بالدين، على رغم أن هذا الملف لا علاقة له بالدين، بقدر ما هو شأن اجتماعي بحت، وبات مطلوباً ومصحوباً بالضوابط والضمانات الشرعية التي تكفل له السير على ما يرام. القرارات الناسفة لكل العقول التي تتعامل مع المرأة بوصفها مصنع إنتاج وكائناً ناقص العقل والدين والأهلية فقط، هي قرارات ستواجَه بأكثر من طابور وبتشنج من الذين اعتادوا معارضة كل شيء، وعلينا ركل ونسيان القصص المضحكة التي تتحدث عن انتقال معارضين قدامى لركب المشجعين الكبار والمؤيدين لما سبق أن عارضوه واستماتوا دونه، وما تعليم البنات والفضائيات والهواتف المحمولة ببعيدة عن مسرحيات وحكايات المعارضة والممانعة. نتحدث بالطبع عن قيادة المرأة السيارة وكأن الصحراء لم تحتضن نساء يقدن تبعاً لظروف ومتطلبات حياة، ونتحدث وكأن الخلوة بالسائق فعلاً شهماً ونبيلاً، ونتحدث وكأن أمر القيادة مخيف أكثر من مرض العقول والتناقضات الداخلية والتطرف وتقديس العادات والنقص في النضج وتحمل المسؤولية. ما يمكن قوله في السطر الأخير، إن أحلام المرأة السعودية تأجلت سنوات كثيرة لكنها لم تمت، وإن كنا إزاء أي تغيير، مرتبكين جداً وتملأنا الشكوك والمخاوف، إنما المستقبل هو الحكم لكل قراراتنا الشجاعة الجريئة، وتاريخ منح الحق للمرأة السعودية ليس للنسيان أبداً. نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية