قبل أكثر من عامين كتبت مقالة بعنوان: «بين التعليم العالي والمهني طموحاتنا تراوح مكانها»، ناقشت في جانب منها تصريحاً لمحافظ المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني وقتها، الذي أكد خلاله أن سوق العمل تعاني عجزاً في الكوادر السعودية التقنية والمهنية. استشعار الدكتور علي الغفيص المشكلة، منذ كان المسؤول الأول عن مهمة تأهيل السعوديين تقنياً ومهنياً، يجعلنا - وقد صرّح بالتصريح ذاته بعد توليه سدة وزارة العمل - نطرح سؤالاً مهماً يتبادر إلى الذهن في شكل بدهي، وهو: أين المخرجات المدربة التي ضختها المؤسسة التي كنت مشرفاً عليها مدة تجاوزت الثلاثة عشر عاماً؟ لا شك في أن المحافظ السابق كان «يفضفض» عن حال السوق مثل بقية السعوديين، لأنه من موقعه حينها ليس بيده سوى الشكوى، على الدور الذي تلعبه سياسات وزارة العمل، الغريبة حقيقة، عندما تقلل من فرص السعودي، بالإفراط في منح التأشيرات للأجانب «على الفاضي والمليان»! لذلك فإنه اليوم أمام تحدٍّ كبير، لكنه غير مستحيل بالنظر إلى الأدوات التي يرتكن إليها بحسب خبرته السابقة، حيث العناصر المدربة التي تنتظر الفرصة «المناسبة» لها، كي تشق طريقها في سوق مثالية، تضمن منافسة عادلة، لا ينغصها بعض المكائد «الوافدة» التي تشنّ حربها على العامل السعودي، في سوقه وبين جمهوره. الوزير الغفيص أمام امتحان تهيئة المناخ لسوق مهنية مؤهلة لاستيعاب السعوديين، فالسوق لا تعاني عجزاً، إنما المواطن هو من بات عاجزاً عن تحقيق طموحه فيها يا معالي الوزير. الحلول الناجعة لا تحتاج عصا سحرية، ولكنها بحاجة إلى إرادة فاعلة تؤثر في عملية التصحيح بقرارات حازمة، لا تتردد في تحقيق الصدمة الإيجابية، التي تفرض في شكل أو آخر تحقيق الاكتفاء العناصري الذاتي، مع عدم إغلاق الباب أمام مميزي الخارج، طالما أن الهدف هو عملية نهضوية تسعى نحو تحقيق رؤية 2030. في هذا السياق، لا يمكن غض الطرف عن الدور الاجتماعي الذي يشكل واحداً من عوامل الضغط الأهم، على نيات الراغبين في الاعتماد على أنفسهم من الشباب، فالواقع الذي نعيشه اليوم ليس سوى امتداد لماضٍ لا يقل جسارة في التقليل من شأن الحرف وممتهنيها، ولنا في كلمة «صانع» بدلالتها السلبية التي ألصقت بها ظلماً وتكبراً وعدواناً، خير شاهد على مدى التهميش الذي قد يلحق الطموحات ويتسبب في وأدها. نحن أمام منعطف مهم، ولكنه قابل للتجاوز متى تم التعامل معه بواقعية وجدية، بعيداً عن فلسفة التنظير التي أنهكت الاقتصاد والوطن والمواطن على حد سواء. ختاماً، يتذكر معالي الوزير الدكتور علي الغفيص بفخر قصة الشاب ميكانيكي السيارات الذي لقيه ذات يوم، وكان أحد مخرجات المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني، ويعمل اليوم في ورشته الخاصة، وربما استطاع أن يجني في أسبوع ما يساوي راتب موظف حكومي مرموق في شهر، بناء عليه، فإن أمام الوزير فرصة كبيرة لأن يفتخر بآلاف السعوديين وفي شتى المهن في المستقبل القريب، وأن يحتفي به السعوديون في المقابل، بشرط أن يحقق ما عجز عن بلوغه كل من سبقوه من دون استثناء، من خلال القضاء التام على الأسباب التي شلّت يد المواطن عن العمل، بفتحها المجال أمام العمالة «السائبة» لاقتحام طريقه السريع نحو العمل الشريف. نقلا عن الحياة