مفهوم "معدل استهلاك الفرد" خطر جدا ويجب الحذر منه، فهو يستخدم في العناوين عندما يراد استخدامه لتمرير أجندات وقناعات معينة. "معدل استهلاك الفرد" يكثر استخدامه خصوصا في العناوين لكي يصل الغزو الفكري إلى المستهدَف ويروج له عبر الإعلام الذي ينقصه النضوج في مفاهيم المصطلحات التنموية والاقتصادية مقارنة بأقسام الرأي والثقافة والمحليات. عندما تسمع "معدل استهلاك الفرد" مثلا للمياه، لا تعتقد أن هذا استخدام السكان، بل هو الاستخدام الكلي للدولة مقسوما على عدد السكان. ففي مثال المياه عندما تقرأ "معدل استهلاك الفرد للمياه 300 لتر يوميا" لا تستغرب فنحن أكبر دولة مصدرة للنفط، حيث المعامل تستهلك كثيرا من المياه ومن أكثر الدول إنتاجا للنفط ومن أكبر الدول إنتاجا للغاز، ولدينا معامل بتروكيماويات من أكبر دول العالم إنتاجا وتصديرا، ولدينا مصانع أخرى وجميعها تستخدم المياه في عملياتها، ومن ضمنها أيضا استهلاك القطاع التجاري والمرافق الحكومية والمستشفيات والقطاع الصناعي بأنواعه، وطبعا القطاع السكني. لا أستغرب أن تحسب ال20 مليون برميل ماء التي تضخ في حقول النفط مكان النفط المستخرج يوميا ضمن الاستهلاك، فهو مصطلح دولي ويشمل جميع المياه المستهلكة مهما كانت نوعية الاستخدام. ولكن مع الأسف المصطلح يوحي كأنه "معدل استهلاك الفرد" وهو المواطن في القطاع السكني. وهل من المعقول أن يستهلك الفرد 300 لتر يوميا؟ 300 لتر تعادل 500 قارورة ماء الذي يباع بريال، وجميعنا نعرفه، أي حوالي 20 كرتونا من هذا الحجم من المياه، فلو قلنا تشرب كرتون مياه (24 قارورة أبو ريال) يوميا وتطبخ بكرتون وتتوضأ بكرتون وتغتسل ب7 كراتين لا تصل إلى نصف ما يقولون، فكيف يكون استخدام العائلة المكونة من أب وأم و ثلاثة أطفال؟ 2500 قارورة ماء يوميا؟ هذا قيمته في السوق ب2500 ريال يوميا. انتقل هذا الغزو الفكري من الإعلام الناقص نضوجا في هذه المصطلحات إلى كتّاب وأشخاص جُنِدوا -دون وعيهم- لتناقل هذه المصطلحات فيروجون لها وهم في الحقيقة ينشرون كلاما خاطئا. طبعا هذه القطاعات مثل المياه والكهرباء لديها تحديات تقنية كثيرة وتحتاج إلى عقول جبارة لتواجه تلك التحديات، ولذلك تجد أنه من السهل عليهم رفع سعر البيع على المواطن والتاجر وغيره طالما أنهم لا يستطيعون مواجهة التحديات، وهنا يأتي دور فعالية مصطلح "معدل استهلاك الفرد" الذي صوروا به أن الفرد شخص مهدر وفاتح صنبور الماء طوال اليوم. عندما يتخذ القرار للرفع يكون اعتمد كثيرا على الأخبار الرائجة عند كثير من الناس، فما زال هناك الكثير يعتقدون أن الفرد بالمملكة يستهلك أكثر من ضعف متوسط العالم، ولكن لو فكر الشخص بأن ثلاثة أرباع العالم دول فقيرة لا تجد حتى لترات قليلة للفرد في الصين والهند وبقية دول آسيا الفقيرة وإفريقيا وأميركا الجنوبية. أوضحت وزارة المياه والكهرباء أن 20% من المياه المحلاة تتسرب من الشبكات قبل وصولها إلى المنازل والمعامل والمنشآت، هذا ما ذكره وزير المياه والكهرباء قبل 5 سنوات. كيف يحسب هذا في "معدل استهلاك الفرد"؟ ويوحى إلينا بأنه استهلاك المواطن عبر مصطلح "معدل استهلاك الفرد". ارتفعت أسعار المياه بغير حق، ارتفعت الشرائح بعضها 200% وبعضها 600% وبعضها 1700% وبعضها 4200%، وهذا يفوق تقبل العقل، قرارات بُنيت على معلومات وُثق بها ولكنها ليست صحيحة، وأتمنى ألا تقبل هذه المعلومات إلا بعد التأكد من مصداقيتها. أتمنى إعادة النظر في الماء والاستعانة بمن يستطيع تحليل المعلومات الواردة من وزارة المياه والكهرباء. نقلا عن الوطن