الذين يعلنون محاربتهم لما يسمونه ( التغريب ) يتوهمون بأن لديهم القدرة على وقف المد الغربي لتحديث المجتمعات الذي يستهدف تقريبها إلى ما وصلت إليه مجتمعات أميركا وأوروبا .. وهم ليسوا مخطئين في خشيتهم من أن ما تتعرض له مجتمعاتنا العربية يستهدف تغيير أذواقها وثقافتها والتأثير في طريقة تفكيرها .. إنما الأمر الذي هم مخطئون فيه اعتقادهم بأن التغيير ( وليس التغريب ) شىء سيئ ، وأنه بالإمكان وقف المد ( التغريبي ) أو تغيير اتجاهه بدون أن تتوفر لهم الأدوات التي توفرت لمن يقفون وراء المد الذي نعايشه ، أي أميركا . وبصرف النظر عن حسنات وسيئات الانطلاقة التحديثية التي تتعرض لها المجتمعات العربية ، فإنه يجب ملاحظة أن هذه ليست من النسيم العليل بل هي ريح قوية تقتلع كل ما يقف أمامها من معوقات . إذ إنها قوة دفع في مواجهة واقع سلبي . وهي جزء من برنامج ضخم يرى الأميركيون أنه سوف يحقق لهم هيمنة اقتصادية وعسكرية على العالم بأسره . وتتوفر لهذا البرنامج العقول والأموال والأدوات وذلك ليس ضمن الحكومة الأميركية فحسب بل وضمن المجتمع المدني ،حيث تقوم مراكز الأبحاث ومؤسسات العمل الخيري بإعداد الدراسات وتتولى أجهزة خاصة بها إلى جانب الأجهزة التنفيذية في الدولة والهيئات الدولية ، مثل الأممالمتحدة ومؤسساتها وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرها ، تطبيق ما خطط له . العقول ، التي هي أهم أجزاء الخطة الغربية ،لا تتوفر لدينا ، لأن العرب يحجرون على الفكر الحر المنطلق . وحرية التحليل والعمل بدون رقابة السلطة دولة ومجتمعات لا تتوفر أيضاً . وبالتالي فإن على من يتحدثون عن ( محاربة التغريب ) أن يبدأوا بالبحث عن حلول داخلية في مجتمعاتهم قبل السعي لمواجهة الآتي من خارج هذه المجتمعات . ما يسعى الأميركيون لتحقيقه هو ( تحديث ) المجتمعات في مختلف أنحاء العالم بحيث تصبح قابلة لحريات متكاملة من سياسية ومساواة اجتماعية بما في ذلك حق المثليين في الزواج والعمل . إلى جانب تطبيق السياسات الاقتصادية الليبرالية المعمول بها في الغرب . ويعتبر الشرق الأوسط جزءًا من هذا العالم المستهدف . ومن الأساليب التي تستخدم لإحداث التغيير إعادة مهاجرين من البلدان المستهدفة إلى أوطانهم بعد أن تشبعوا بالأفكار والمبادىء التي تسعى للتغيير . وشاهدنا العشرات من الخبراء الأميركيين المهاجرين من روسيا يتقاطرون على موسكو عندما تولى يلتسين رئاستها ، ونشاهد الآن مواطنين أميركيين من أصل أوكراني ينتشرون في عدد من مناطق أوكرانيا لإصلاح الوضع والمساعدة في إدارة الحكم . وعندما غزا الأميركيون أفغانستان استقدموا بعض الأفغان الأميركيين معهم وكذلك فعلوا في العراق بجلب عراقيين أميركيين وأوربيين على طائراتهم العسكرية . ومما يلفت النظر أن عدداً من الإيرانيين الذين شاركوا في مفاوضات الاتفاقية النووية مؤخراً هم أميركيون من أصول إيرانية ، ومنهم محمد جواد ظريف ، وزير الخارجية الذي عاش في أميركا لحوالي ثلاثين سنة . التغيير بحسناته وسيئاته قادم للعرب ، وبعضه كما نشاهد دموي بشع ، وعلى العرب اختيار الدرب الأسلم والصحيح باحتواء التغيير والسعي لتوجيهه بشكل يقلص الاحتمالات السيئة له ولمصلحة مجتمعاتهم العربية ، لأن البديل لا يقدر العرب عليه بحالهم الممزقة اليوم . نقلا عن المدينة السعودية