المؤسسات الاجتماعية والخيرية مؤسسات لا يمكن الاستغناء عنها في أي مجتمع، فهي رافد أساس لدعم التنمية في المجتمعات، ولها دور كبير في مساندة المؤسسات الحكومية كما أنها تؤثر في حركة ونشاط المجتمع بصورة إيجابية، وذلك بالاعتماد على فاعليتها في معالجة القضايا المختلفة للمجتمع وزيادة الروابط بين المقتدرين والمتبرعين والاحتياج والمحتاجين من أبناء المجتمع، وتجربة المملكة طويلة ومميزة في مجال العمل الاجتماعي والخيري. يتميز المجتمع في المملكة بعنايته الكبيرة بالعمل الخيري وينفق كثير من الأفراد بسخاء في مجالاته وذلك للأنشطة والاحتياجات داخل المملكة وخارجها، ولو تم إحصاء حجم الأموال التي قدمها المجتمع خلال العقود الثلاثة الماضية لوجد أنه قدم عشرات المليارات بحثا عن الثواب من الله ولتلبية احتياج المجتمع، وهذا الإنفاق لا شك أن له أثرا كبيرا في تغيير ظروف الكثير من أبناء المجتمع بصورة إيجابية، وبذل القائمون على هذه المؤسسات جهدا كبيرا من أجل أن تنشأ هذه المؤسسات وكانوا يتبرعون بوقتهم وجهدهم من أجل أن تؤدي المؤسسات الخيرية والاجتماعية دورها وبما يمكنها من الاستمرار في خدمة المجتمع، هذه الفترة من العمل في هذه المؤسسات لا شك أنه أوجد تجربة ثرية في هذا المجال المهم في حياة المجتمع. ولكن هذه التجربة تفتقد كثيرا إلى الدراسة والتقييم والتصحيح لمسار بعض التجارب، وتحفيز تجارب أخرى متميزة، والعمل أيضا على التحول الإيجابي بما يساير المتغيرات ويزيد من كفاءة الأداء. وبناء على ما سبق كيف يمكن زيادة كفاءة عمل المؤسسات الاجتماعية والخيرية بما يحقق الاستفادة المثلى للمجتمع؟ لا شك أن هذا سؤال كبير ويحتاج إلى كثير من التفكير والمناقشة والنتائج لذلك، ولعل هذا المقال يبحث في بعض الأفكار التي يمكن أن تفيد في هذا المجال ومنها: أنه رغم التجربة الكبيرة والمميزة للعمل الاجتماعي والخيري في المملكة إلا أن هذه التجربة لم تخضع لدراسة علمية كافية، تمكن من تقييم هذه التجربة وتزيد من تفاعل المؤسسات العلمية والتعليمية والبحثية معها، فكم عدد الرسائل العلمية والبحوث الأكاديمية التي تتحدث عن تجربة من تجارب المؤسسات الخيرية أو الاجتماعية وتسلط الضوء عليها من خلال إطار نظري يستصحب الثروة العلمية للتراث الإسلامي في هذا المجال، ويركز على تجارب محددة في المجتمع مقارنة بالتجارب العالمية لمثل هذه الأعمال، وكيف يمكن تبادل الخبرات والتجارب في هذا المجال بما يعزز من إمكانات المؤسسات المحلية وقدرتها في تحقيق أهدافها. وفي السياق نفسه كم هو عدد الدراسات المتكاملة لنشاط وعمل مؤسسة محددة يتضمن تفاصيل عن المؤسسة ونشأتها وتوصيفا لعملها والقائمين عليها والعاملين بها وأهدافها وحجم مواردها ونفقاتها وتفاصيل أنشطتها ونتائجها وخططها المستقبلية بطريقة فيها شيء من الاحترافية في العرض. ولو تناولنا موضوعا مهما مثل رعاية الأيتام على سبيل المثال، فالجمعية المتخصصة في هذا المجال يفترض أن تعتني برعاية اليتيم بطريقة تحل فيه محل فقيده وهو الأب أو الوالدين، وليس التبرع له كأي فقير، والنتيجة المتوقعة هو أن تتأكد أن هذا اليتيم سيحظى برعاية كافية إلى أن يتمكن من الاعتماد على نفسه وأن يكون عضوا فاعلا في المجتمع، ولا شك أن هذا عمل جبار، ولهذا ميزه النبي صلى الله عليه وسلم بميزة عظيمة مقارنة بأشكال أخرى من التبرعات حيث قال «أنا وكافل اليتيم كهاتين» وقارب بين أصابعه تقديرا لعمل كافل اليتيم. ولكن لو نظرنا إلى عمل المؤسسات تجاه هذه الفئة المهمة في المجتمع لوجدنا تفاوتا كبيرا وعدم وجود أعمال علمية وإحصائية شاملة تعتني بهذا الموضوع. من الأهمية بمكان أن تعتني المؤسسات الاجتماعية والخيرية باستدامة الموارد وعدم الاتكال مطلقا على التبرعات المستمرة من الأفراد، إذ إن ظروف المجتمع قد تتغير ومن المتوقع دائما أن يكون هناك تفاوت بين عام وآخر في حجم الموارد من التبرعات المباشرة، ولهذا ينبغي أن تفكر المؤسسات كثيرا بموضوع استدامة الموارد، ونلاحظ اليوم أن كثيرا من المؤسسات بدأت تعتني بصورة كبيرة بمشاريع الأوقاف وهذا تحول إيجابي كبير. العناية بتقييم عمل المؤسسات من جهات مستقلة أمر قد يكون له أثر إيجابي كبير، ويمكن أن يكون ذلك في إطار عمل منظم، حيث تمنح بعض المؤسسات جوائز تحفيزا لها في لقاء سنوي تنظمه وزارة الشؤون الاجتماعية، أو من خلال مؤسسة من المؤسسات الخيرية الكبرى مثل جائزة الملك فيصل أو يكون لها جائزة مستقلة، وفي المقابل تتم إعادة النظر في استمرار المؤسسات الأخرى التي تقدم أداء ضعيفا وتتسبب في هدر للموارد. الخلاصة أن تجربة المملكة في المجال الاجتماعي والخيري كبيرة وتحتاج إلى تقييم ودراسة وأبحاث تدعم تأطير هذا العمل في إطار علمي، كما أنه من المهم تقييم أداء المؤسسات وتقديم جوائز للمتميز منها، وإعادة النظر في استمرار المؤسسات التي تقدم أداء ضعيفا. نقلا عن الاقتصادية