مخرجات التعليم والبطالة، إما تناسب طردي للانسجام والمواءمة مع حاجات سوق العمل، أو عكسي يُنذر بأعباء جسيمة؛ تُؤدي إلى انهيار سوق العمل في أي وقت، وظل التناسب العكسي مُسيطراً على مُخرجات التعليم بمختلف مشاربه لأعوام طويلة، ويدفع سوق العمل في السعودية الثمن غالياً؛ بعد تراكم الأعباء ونمو أعداد البطالة عاماً بعد آخر، والحلول الوقتية -مع تزايد أعداد الخريجين من كل حدب وصوب من دون خطط مُحكمة- أصابت العديد من القطاعات الحكومية والاقتصادية بالترهّل؛ لانسياقها خلف الدوافع الوطنية للتوظيف من دون حسابات الحاجات الفعلية، والاستثمار الأمثل للموارد البشرية. واجه سوق العمل في السعودية مبادرات واجتهادات تنظيمية، من دون تركيز عميق على أسس مخرجات التعليم والتدريب، وزارة العمل تُكافح بالضغط على القطاعات كافة، من أجل خفض أعداد البطالة، ومكامن التعليم والتدريب تدفع سنوياً بعشرات الآلاف من الخريجين من دون مراعاة أو مراجعات سنوية لحاجات سوق العمل من التخصصات، والبون يتسع كل عام بين فريقين هم في الأساس ضمن جهاز حكومي واحد، ويقوده وزراء. على سبيل المثال لا الحصر، عندما أُنشئت جامعات حكومية في المنطقة الشمالية، وفي الوقت ذاته كان يُخطط لتنفيذ مدينتي وعد الشمال، ورأس الخير، كتبت مقالةً بعنوان: «وعد الشمال وعدان»، وكنتُ أقصد وعداً تنموياً، ووعداً تعليمياً وتدريبياً، وطالبت بجلوس خبراء من التعليم والتدريب، ومسؤولين من الشركات التي تستثمر وتُنشئ مصانع ضخمة مثل: «معادن»، و«أرامكو»، و«الكهرباء»، و«سابك»، و«التحلية»، وجميع هذه الشركات والمؤسسات، إما تملكها الحكومة، أو تمتلك فيها حصص سيطرة، طالبت بأن يكون لهذه المؤسسات والشركات دور في صياغة مُخرجات التعليم والتدريب في جامعات ومراكز التدريب في المنطقة الشمالية؛ لضمان التخطيط المُستقبلي لتوطين الوظائف على أسس علمية صحيحة، ولكن لا حياة لمن تنادي. أعود إلى موضوع أو برنامج الساعة، الذي أطلقه وزير التعليم الدكتور عزام الدخيّل (#بعثتك-وظيفتك)، أسعدني جداً التوجُّه؛ لأنه سيدخل ضمن إطار التناسب الطردي للتخفيف من معاناة بحث الخريجين من المُبتعثين عن وظائف عند عودتهم إلى الوطن، ثم ما لبثت أن عُدتُ إلى الوراء غير سعيد عندما بدأت تتقاطر هرولة توقيع الاتفاقات مع جهات حكومية، وبرز أمامي حينها تلك الاتفاقات التي وقعتها الهيئة العامة للسياحة والآثار مع مختلف القطاعات الحكومية والشركات؛ من أجل النهوض بالقطاع السياحي في المملكة، ولا نزال ننتظر مشروع «العقير السياحي»، الذي مضى على وعوده أكثر من ثلاثة أعوام ولم يبدأ التنفيذ حتى هذه اللحظة، وذهبت الوعود السياحية في الوطن أدراج رياح الاتفاقات الإعلامية. بين يوم وليلة ظهر على الملأ برنامج «#بعثتك-وظيفتك»، وعلى رغم وجاهة ووجوب التوجه، إلا أن ثورة الأسئلة تتقاطر خلف الإعداد والإستراتيجية والتنظيم المدروس، فهل تم التنسيق المُسبق مع الجهات الحكومية لتحديد حاجاتها من تخصصات الابتعاث؟ وهل أخذت هذه الجهات المدة الكافية لمراجعة حاجاتها الحالية والمستقبلية؟ ولماذا لم تُعقد أولاً ورش عمل بين مسؤولين من الجهات الطالبة للتخصصّات مع وزارة التعليم للمناقشة ومراجعة الحاجات؟ وأين دور وزارات العمل، والخدمة المدنية، والمالية، والاقتصاد والتخطيط، من عرض خطط التمويل، وإنتاج فرص العمل، وتخفيف الأعباء عن الجهات الحكومية وتقليص دورها، وأعداد المتقاعدين وتخصصاتهم للإحلال على المديَيْن المتوسط والبعيد؟ ولماذا غاب التنسيق بين وزارة التعليم والجامعات الوطنية؛ لمنع ازدواجية مخرجات التعليم بين المحلي والقادمين من البعثات؟ أسئلة أطرحها على وزير التعليم، الذي لا أشك مُطلقاً في حماسته وحسن نواياه الوطنية المُخلصة، ولكن يكفينا ويكفي سوق العمل في السعودية، مبادرات تخرج من صلب الحماسة والاستعجال، ثم نعود نغرق مرةً أخرى في التبريرات، ويا ليت وكان ولعل وشيء من حتى. الرؤية والتخطيط المُتقن للتفاصيل كافة؛ عناصر مُلحة لمواجهة تحديات حالية ومستقبلية سيواجهها سوق العمل في السعودية، قبل أن نضرب كفاً بكف ونحن نواجه انهيار سوق العمل الذي يعج بفوضى مخرجات التعليم والتدريب، اللهم ألهم المسؤولين الحكمة والصواب وحسن التدبير. نقلا عن الحياة اللندنية