لأن الإسلام ظهر في بيئة صحراوية، فقد تصور بعض الباحثين أنه دين بدوي، ولكن الإسلام - بعد الدراسة المتأنية - يتضح أنه لم يكن ديناً بدوياً على الإطلاق، فقد تضمن القرآن الكريم عدداً من الآيات الكريمة التي تنعى على البدو عنفهم ونفاقهم ومنها: الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة: 97)، والأعراب هم البدو. وقد ميّز ابن خلدون بعد قرون بين العرب والأعراب، فقال نقلاً عن «لسان العرب» لابن منظور: ان العربي إذا قيل له: انت عربي هشّ لذلك. وقال القرآن الكريم عن نفسه في عدة مواضيع «وانزلناه قرآناً عربياً»، فلا يعقل أن يشتم نفسه! لذلك فإن قال: «الأعراب أشد كفراً ونفاقاً ...» فإنه يُميز طبقاً لذلك بين العرب والأعراب، والعرب هم الحضر، والأعراب هم البدو. وكان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لا يؤمّر أحداً من أهل الوبر (أي البدو) على أحد من أهل المدر (أي الحضر). وكان مالك، فقيه المدينة، يقول: لا يسمح لبدوي أن يكون إماماً، ولو كان الأفقه...لأنهم لا يحسنون القراءة. وكان كل فقيه أو مؤلف يأتي بأسباب من عنده ولا يصل إلى الجوهر (بأن الإسلام حركة حضرية) في الأصل والأساس. إلى أن جاء ابن خلدون فوجد نصاً لغوياً في «لسان العرب» لدى ابن منظور فأحياه ووضعه في سياقه التاريخي، لأن ابن خلدون كان فيلسوفاً للتاريخ. وقد وضع ابن خلدون: «العرب» - وهم الحضر- في مواجهة «الأعراب» وهم البدو الرُحّل. وذكر ان من رحل الى البادية من العرب، أي الحضر، والتحق بالبدو .. لم يعُد مسلماً، فقد خرج عن دينه، وعُدَّ جاهلياً. والجاهلية، بهذا المعنى، مرتبطة بالحياة البدوية - ولو احتفظ بإيمانه - فلا إيمان مع الجاهلية، أي الحياة البدوية. وكان الخليفة الثالث عثمان بن عفان - رضي الله عنه، يقول لأبي ذر الغفاري - رضي الله عنه، تعود الى المدينة، في كل عام، حتى لا تعود جاهلياً. فقد اختار ابو ذر الغفاري أن يلجأ الى البادية بعيداً عما اعتبره فساداً في الحاضرة. ولو نحن تأملنا في فرائض الاسلام وعباداته .. لوجدنا أنها مناقضة لحياة البدو في البادية. فالأذان لا يمكن أن يسمعه في البادية إلا إثنان من الرعاة. والصلاة لا يمكن أن يحضرها مثل ذلك العدد. والمحكمة الإسلامية لا يمكن أن تصدر أحكامها إلا على حضر ليس للبدو عليهم سلطان. «والدولة» التي دعا إليها الإسلام، لا يمكن أن تقوم على أساس التشظي أو التفرد البدوي. لذلك لم ينشئ البدو دولاً. وإذا اكثرت العصائب في دولة، تسلل اليها عدم الاستقرار كما لاحظ ابن خلدون. «والعصائب» هي العصبية للقبيلة التي يتصف بها البدو.. وجميع مفسري القرآن الكريم ذهبوا انه مقصوداً ب «الأعراب» البدو الذين لا يفقهون. ونحن إذا تأملنا في شروط الحياة البدوية، وجدناها مضادة لحركة التقدم، والاسلام تقدم بالعرب الى الأمام، فالتنقل والترحل عند البدو لا يسمح ببقاء الانسان في مكان واحد ليعلم أبناءه، وهو لا يسمح له بالبقاء حتى يؤسس دولة .. وهكذا... * أكاديمي وكاتب من البحرين نقلا عن الحياة اللندنية