الملامح الإيجابية والجيدة لاقتصادنا الوطني على مدى السنوات الماضية، هل تعني أن علينا الركون إلى رسم صورة زاهية عن اقتصادنا الوطني ومسار تطوره؟ في اعتقادي أنه من المهم تسليط الضوء على العثرات والمعيقات الجدية التي لا تزال تعترض مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا، وبالصراحة والشفافية التي تكلم وأفصح عنها الملك عبدالله بن عبدالعزيز (حين كان وليا للعهد) الذي لم يتردد بالقول إبان الانخفاض والانحدار الرهيب في أسعار البترول (1998م) بأننا نعيش أزمة حقيقية لا بد من التعايش معها ومجابهتها والسعي لتجاوزها عبر الوسائل والأساليب المختلفة المتاحة، ما يعني عدم الاستكانة إلى المسكنات والحلول المؤقتة ومحاولة تدوير أو ترحيل الأزمة والمشكلات النابعة عنها، والتي يأتي في مقدمتها إيجاد الحلول للمعضلة الرئيسة التي تجابه اقتصادنا الوطني، وهي الاعتماد شبه الكامل على قطاع واحد، وهو استخراج النفط الذي شكل قرابة 92% من الموازنة السنوية للدولة للعام الجاري، و90% من الصادرات، وحوالي 40% من الدخل القومي الإجمالي، وهو ما يجعل اقتصادنا (ريعيا ووحيد الجانب)، ومجمل العملية التنموية أسيرة لتذبذبات أسعار النفط ارتفاعا وهبوطا، وهو ما يعكس اختلالا وتشويها واضحا في التوازن الاقتصادي المطلوب. وفي الواقع، فإن مجمل العملية الاقتصادية والتنموية وتأثيراتها على المستوى الاجتماعي تعود إلى اعتماد اقتصادنا على إنتاج سلعة واحدة ناضبة (النفط) مهما طال عمرها الافتراضي، ناهيك عن اكتشاف بدائل أخرى للطاقة، والتي يندرج ضمنها النفط والغاز الصخري، والطاقة النووية والمائية وغيرها. لهذا نرى التأرجح والتذبذب الصارخ على صعيد الموارد والميزانية العامة للدولة والدورة الاقتصادية ومستوى دخل الفرد وأوضاعه المعاشية والحياتية، والتي ترتبط بدرجة أساسية بمواردنا من النفط، وهذه حالة غير صحية على الإطلاق. إذ لا يمكن لأي اقتصاد نامٍ ومتطور في العالم أن يستمر في الاعتماد على إنتاج سلعة واحدة مهما بلغت أهمية واستراتيجية هذه السلعة. خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار الضغوط المختلفة التي تتعرض لها بلدان العالم الثالث المتخصصة أو المعتمدة على إنتاج المواد الخام أو سلعة واحدة. ومن المعروف أن أسبابا اقتصادية وسياسية واجتماعية وعوامل إقليمية ودولية لعبت دورا مهما في إيصال سوق النفط الدولية إلى حافة الانهيار في عام 1998م، والتي تكررت في الماضي، وقد تتكرر في المستقبل. السعودية التي تمتلك أكثر من 25% من المخزون النفطي العالمي، وباعتبارها الدولة المنتجة والمصدرة الأولى لهذه السلعة الإستراتيجية، هي قادرة على توظيف هذه الإمكانيات من أجل تحصين اقتصادها وتصويب مسيرتها التنموية، من هنا تنبع أهمية تشكيل المجلس الاقتصادي الأعلى والمجلس الأعلى للبترول والمعادن، ومن الواضح أن التعديلات وتطوير الهياكل والتنظيمات المتعلقة بقانون الاستثمار الأجنبي ومراجعة قانون الضرائب بما يقر النشاط الاستثماري الأجنبي مع وضع الضوابط الضرورية التي تحافظ على المصالح الاقتصادية الوطنية لمنع التأثيرات السلبية لهذه الأنشطة كما حصل مع تجربة بلدان شرق آسيا. ويصب في هذا الاتجاه مراجعة نظام العمل والعمال ونظام التأمينات الاجتماعية وإعادة تنظيم سوق الأسهم وقانون الملكية الأجنبية للعقارات، والتي جاءت في إطار مراجعة مجمل الأداء الاقتصادي، وبما يحقق الكفاءة والتوازن والتنسيق المطلوب لمختلف المرافق والهيئات المعنية بالعملية الاقتصادية وإيجاد الوسائل والبدائل المتاحة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والمتوازنة وتنويع مصادر الدخل وترشيد الإنفاق وتوجيهه توجيها استثماريا، وهو ما يعني عمليا إضفاء نوع من التخطيط المركزي في تحديد مسار التطور الاقتصادي والتنمية الشاملة بأبعادها المختلفة، وإذا كان الإنسان هو أداة وهدف التنمية، فإن هذا يتطلب إيلاء الاهتمام والعناية بتطوير الموارد البشرية وربطها بالعملية الاقتصادية والتنموية من خلال تحديد مدخلات ومخرجات التعليم والسكان والتأكيد على البعد الاجتماعي ومراعاة الحق في العمل والتعليم والصحة والسكن والضمان الاجتماعي والحياة الراقية الكريمة للمواطن، إلى جانب مراعاة مستقبل الأجيال الجديدة. إذ علينا أن نأخذ بعين الاعتبار بأن متوسط أعمار 70% من السعوديين لا يتجاوز العشرين عاما، وأن عدد السكان يتزايد بمعدل 2.5% سنويا. لذا يتعين العمل على سد الفجوة الرهيبة بين أعداد العمالة السعودية مقارنة بحجم العمالة الوافدة، وهو ما يشكل اختلالا واضحا ستكون له آثار سلبية إن لم تكن خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. نحن بأمس الحاجة إلى التطوير النوعي للمنظومة التعليمية والتربوية، وتوسيع وتطوير شبكة التعليم العالي ومراكز البحث والتطوير والتدريب المهني والمعاهد التكنولوجية والفنية وربطها بالعملية الإنتاجية ومتطلبات التنمية واحتياجات سوق العمل. ويأتي في مقدمة الأولويات تجاوز ظاهرة الاقتصاد الريعي والعمل على تنويع مصادر الدخل الوطني وتنمية قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات، والاهتمام بتكامل وربط قطاع استخراج وتطوير النفط والغاز مع الصناعات التحويلية الأخرى مثل الصناعات الكيماوية والصناعات البتر وكيماوية والصناعات المعتمدة على الطاقة وتقليل الاعتماد على تصدير النفط الخام وزيادة القيمة المضافة عبر تشجيع ودعم تصنيع المنتجات النهائية والعمل على توطين التكنولوجيا الرفيعة في هذا المجال. نقلا عن عكاظ