تلازم التنمية مع النفط فى دول الخليج عامة وبلادنا منها شديد الوضوح ولا مندوحة عنه ، لذلك فسؤال التوظيف الأمثل للنفط فى خدمة عمليات التنمية أهم الأسئلة المطروحة منذ زمن بعيد وإلى الآن. لدينا رغبة قديمة معلنة منذ بدايات عهد التفكير التنموى فى الانتقال باقتصادنا من الاعتماد على مورد واحد الى اقتصاد متنوع موظف للتكنولوجيا ، منذ عقد تقريبا أخذت هذه الفكرة تتبلور الى تفكير محدد فى دوائر صناعة القرار ، تفكير مؤداه : بدلا عن الاعتماد على تصدير النفط الخام كمورد أساسى من الأجدى تحويل نسبة متزايدة منه عبر التصنيع المحلى الى كيماويات وبتروكيماويات والاستفادة منه فى إقامة الصناعات ذات الاستهلاك الكثيف للطاقة التى تستطيع الدول المنتجة للنفط الاستثمار فيها بكفاءة اقتصادية أعلى من المتاح للدول المستوردة. المنفعة الاقتصادية وراء ذلك مغرية وشديدة الوضوح ، فسعر البرميل الخام اليوم 80 دولارا ، وعند تحويله الى مواد مصنعة ذات قيمة مضافة ستزيد عوائد البرميل الواحد على 800 دولار ، الموضوع ليس مجرد إنتاج البتروكيماويات التقليدية من مشتقات بترول وزيوت تشحيم وما شابه ، فهذه منتجات قطعنا بالفعل فى إنتاجها شوطا كبيرا ، إنما عدد بالآلاف من المواد الكيماوية التى يتطلب إنتاجها تقنية عالية ويدخل النفط كمدخل أساسى فى إنتاجها وتحتاجها بشدة الأسواق العالمية فى آسيا وأوروبا ، والخليج قريب من هذه الأسواق . المصلحة الاقتصادية (وهى عالية) لا تستنفد كل مزايا هذه الفكرة ، فمردودها الإيجابى على قضايا التنمية الشاملة يتجاوز ذلك ، أهمها قضية استيراد وتوطين التكنولوجيا ، وقضية التغير الهيكلى فى تركيبة القوى العاملة عن طريق زيادة نسبة العمالة المؤهلة المدربة ، وهى قضية وثيقة الارتباط بموضوعى البطالة والسعودة. هذه التطورات رغم انصبابها على الاقتصاد إلا أن انعكاساتها الاجتماعية والثقافية فى الأجل غير القصير شبه سحرية وحتمية بما يخدم مفهومى التنمية والتحديث بمعناهما الشامل. هذا تفكير يستحق التأييد والتفاف المجتمع صاحب المصلحة فى إنجاحه حوله، لأن معوقات تفعيله وتحويله الى واقع صعبة، إلا إنها أقل بكثير مما يواجه المجتمعات النامية الأخرى التى تعانى عوزا فى التمويل وعوائق فى استيراد التقنية ، بينما مشكلتنا الوحيدة فى هذا المضمار تنحصر فى سوق العمل ، وحلها فى تطوير نظم التعليم والتدريب ، وربما لذلك اكتسبت مشكلات هذا القطاع أهمية متزايدة فى الآونة الأخيرة ، وهى مشكلات قمينة بالمواجهة.