لم تكن مشكلة سيناء وليدة لحظة عزل الرئيس مرسي وإعلان الانتخابات المبكرة بعد ثورة 30 يونيو ونزول أكثر من 30 مليون من الشعب المصري إلى الشوارع ومطالبتهم مرسي بالرحيل , ولم تكن مشكلة سيناء بعد خلع مبارك وتولى الإخوان الحكم , بل أن سيناء مشكلة منذ أن تم تحريرها من يد الاحتلال الصهيوني لأنها بقيت فارغة بفعل موانع كامب ديفيد ,وتم استغلالها بعد عزل مبارك وتنحية مرسي حتي أصبحت ثقبا اسود في جعبة مصر الشرقية , وأصبح هذا الثقب ساحة مفتوحة لصراعات سياسية وإقليمية و قبلية معقدة لا يبتعد العدو الصهيوني عن تلك الصراعات قيد أنملة ,بل قد يكون هو الذي يثريها بعضها ويغزي الاختلافات القبلية والاختلافات المذهبية ويسهل وصول جماعات هيكلها وشكلها إسلامي لكنها من اختراعه وتشكيلاته السرية , لكن نقول أنها سيناء المصرية التي تاه فيها اليهود 400 عام وهم اليوم مع الأمريكان يجربوا حظهم فيها مرة ثانية من خلال الأطماع الإقليمية والبرامج و العمليات السرية التي تستهدف الجغرافيا العربية وأحداث تغيير جيوسياسي عميق تحل معها بعض القضايا الإقليمية . ظهرت سيناء بطولها وعرضها لغزا معقدا بعد أن عزل مرسي ولاحظ المصريين أن عمليات مسلحة ضد السيادة المصرية تحدث يوميا , فهناك القتل والخطف والابتزاز والتهديد والعديد من العمليات الغير شرعية , ولإدراك الجيش المصري خطورة تحول سيناء بمدنها إلى ثقب اسود يقطنه الخارجون عن القانون و الجماعات المسلحة والجهادية وجماعات أخري من صناعة إسرائيل وجماعات تعمل لحساب الموساد الإسرائيلي فإنه على ما يبدو قد اتخذ قرارا بتطهير سيناء وإعادتها إلى الحظيرة الأمنية المصرية مهما كلف الأمر من ضحايا , وأقول أن تطهير سيناء لن ينجز في حملة عسكرية واحدة أو اثنتين لان الحملات العسكرية غالبا من تخفق في مطاردة كافة الخلايا التي تعيش داخل سيناء وتعمل فيها فقد تنزل إلى الأرض وبالتالي في الجيش يخفق في ملاحقتهم إن لم يكن قد مشط سيناء استخباراتيا قبل الحملة وحدد بالضبط البؤر التي سيطهرها والمجموعات التي سيلقي القبض عليها والمناطق الحدودية التي يغلقها إغلاقا نهائيا والبدائل التي سيوفرها في حال إغلاق الأنفاق بالكامل مع غزة وبالتالي عدم مغادرتها أو تخفيض قواته فيها. سيناء لغز في الحقيقة اليوم ولغز معقد لأنها ليست ساحة جهادية فقط كما يدعى البعض بل أنها ساحة تعبث بأمنها أجهزة الاستخبارات الصهيونية والأمريكية وعصابات التهريب وأقول أن ما حدث خلال الأشهر الماضية من استدراج شاب فلسطيني إلى هناك واختفاء أثاره فترة من الزمن ثم تعلن إسرائيل انه بحوزتها و يقبع في احد السجون الصهيونية وهو قيد التحقيق , ولعل هذه الحادثة تكشف لنا بعض ملامح اللغز الذي نقول عنه انه معقد , فما دامت إسرائيل موجودة هناك ومادامت المجموعات الجهادية موجودة هناك أيضا فهذا يقصر الطريق على الجهاديين لان اليهود أصبحوا بالقرب منهم لكن ليس على هيئة يهود بل جهاديين مثلهم أو حتى مجموعات أكثر تعصبا للإسلام ومعاداة اليهود ,واعتقد أن الكثير من السلاح الموجود في سيناء الآن سهلت إسرائيل دخوله و وصوله لتلك المجموعات , وقد يسال احد من القراء ما غرض إسرائيل من ذلك وهذا سؤال بديهي , لكن من يتعمق في السياسية الصهيونية وعمليات اختراق الصف المقابل فانه يدرك أن إسرائيل تتابع من الداخل ما يجري في سيناء هذه واحدة والأخرى تستطيع معرفة نوايا الجماعات الجهادية تجاه الحدود مع إسرائيل وإحباط عملياتهم في مهدها ؟, وأخري أن إسرائيل تبحث عن ارض جديدة تحسبها ضمن مشروع تصفية القضية الفلسطينية وتضمن يهودية كيانها الجديد . قبل أيام تحركت ثلاث قطع من الأسطول الأمريكي إلى البحر الأبيض المتوسط مقابل سيناء هذا بالإضافة إلى وجود الفوج 75 من فرقة 'رينجرز' بحجم لواء (3000-4000 عنصر) وهي فرقة من القوات الأمريكية الخاصة ذات السمعة العريقة عبر حروب الولاياتالمتحدة كلها، موجود في الأراضي الأردنية في العقبة ,ليس لغرض إعادة مرسي إلى الحكم أو دعم الجيش في تطهير سيناء كما يعتقد البعض, بل لتكون على جاهزية عالية للتدخل في سيناء متى جاءتها الأوامر , كل هذا يحدث و اوباما يعترف حقا ويقينا أمام لجنة الكونغرس بأنه نجح في الحصول على مساحة كبيرة من سيناء أبان حكم مرسي وهذا يعنى أن مصر أصبحت أمام خيارين كلاهما مر, أما أن تسلم الأرض التي تم بيعها إلى الأمريكان أو سيدخل الأمريكان إلى سيناء ويحرروا ما اشتروه بالقوة العسكرية وعندها ستختلط كل أوراق المنطقة وتصبح دولة الفلسطينيين جاهزة , وبالطبع الجيش المصري يواجه هذه التحديات وهو يخوض حربا ضارية مع الأخوان والجهاديين من ناحية أخري في سيناء وعصابات التهريب التي لا تدخر جهدا في الاتجار بأي شيء حتى البشر , وبعد كل هذا يبقي سؤال هام هل يستطيع الجيش المصري مواجهة كل هذه التحديات ؟ نقول أن الجيش المصري جيش عظيم لم يتمكن احد بعد من تفكيكه بعد..! وهذه المعضلة ,وهو جيش متماسك حتى اللحظة مع أن هناك محاولات داخلية لإضعاف هذا الجيش من الداخل تحت ذريعة إعادة الشرعية لحكم مصر , واعتقد أن الجيش المصري يدرك كل تلك المخططات وهو يعمل على الأرض في سيناء بصمت من خلال العديد من المظلات لذا فإننا نقول انه قادر بحنكة وقوة متوازنة في نفس الوقت على تطهير سيناء لكن سيتفادى مواجهة مع الأمريكان في الوقت الحاضر , مع أن الأمريكان يمكنهم الادعاء بأن قواتهم جاهزة لمساعدة الجيش المصري لتطهير سيناء وسحق الإرهابيين , وقد يكون هذا الهدف الثاني لوصول المار ينز الأمريكي إلى سواحل سيناء. [email protected]