الجنادرية ليست مناسبة جديدة وبرنامجها تقريبا ثابت ويتم تطويره كل سنة، والرقصات الشعبية والأوبريت الغنائي يمثلان ركنا أساسيا في المهرجان على اعتبار أنه يهتم بالتراث والثقافة، ولم تكن هذه الاحتفالية مجالا لنقد بعض المحتسبين إلا في الفترة الأخيرة، ولعل التحفظات زادت بشكل ملحوظ بعد رأي منقول عن شخصية دينية كانت تشغل منصبا حكوميا رفيعا، وهذا الرأي جاء متزامنا مع مهرجان السنة الماضية، وردود الفعل تجاهه تراوحت بين مرحب ورافض، وكان تعامل إدارة الجنادرية في ذلك الوقت دبلوماسيا وملتزما، ولازالت الإدارة تميل إلى الحلول الناعمة والمتفهمة في إدارتها للملف.المختلف في النسخة الحالية لمهرجان الجنادرية هو ارتفاع درجة الممانعة الدينية، والبداية كانت بمنع أوبريت تمت مباركته من إمارة جازان، أرسلت بعده هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر توضيحا إعلاميا، وقالت بأن الأغاني محرمة شرعا وممنوعة نظاما، والذي أعرفه أن المسألة محل خلاف بين المدارس الفقهية، وطالبت الهيئة القائمين على المهرجان بالامتناع عن تشغيل الأغاني، والموقف مرتبك ولا ينسجم وواقع الحال، فالأغنية متوفرة في محال مرخصة لإنتاجها وبيعها، وفي المحطات التلفزيونية والإذاعية المهتمة بها وحدها، ولها جماهيرية واسعة بين الشباب، وما قيل لا يمثل موقفا شخصيا أو دفاعا وانحيازا للأغنية، ولكنها الحقيقة وإن لم تعجب.الدراما لم تتوقف وأصبح الآخرون شركاء في الأزمة، فقد قام أحد المحتسبين باختراق الصفوف في جناح الإمارات بالجنادرية لإيقاف عرض رقصة فولكلورية رجالية اسمها «اليولة» والرقصة أوقفت فعلا طبقا لما قاله مسؤولو الجناح، ويبقى أن الروايات متفاوتة ولا يوجد سياق متفق عليه للبدايات والنهايات، والأقرب للتصديق، في اعتقادي، رواية إدارة المهرجان وقولها بأن أحد أعضاء الهيئة الإداريين وليس الميدانيين قام بالتدخل لمنع الرقصة الشعبية الإماراتية، وأنه أخرج من الجناح منعا للمشكلات وحتى لا يفهم تصرفه بطريقة خاطئة.الرواية المنسوبة للهيئة أكثر درامية وفي تفاصيلها أن الرجل ميداني، والمعنى أنه لم يكن إداريا أو ممارسا لعمل غير عمله، وإن وجوده في الجناح كان لإيقاف المخالفات الشرعية ومساندة زملائه، و بتوجيه من رئيس مركز الهيئة في الجنادرية، والمخالفات شملت رقص النساء وتدافعهن على المنصة، والتدافع بين النساء والرجال، والظهور المتكرر والمثير للمطربة «أريام» وأداء الرقصة الرجالية في مكان قريب جدا من النساء، واتفقت الروايتان في موضوع إخراج عضو الهيئة من الجناح قبل قيامه بأي تصرف، وزادت الهيئة بأن إدارة الجنادرية سألته عن أسباب دخوله وما حدث وسحبت بطاقته الرسمية، ثم أعادتها إليه بعد ساعة ونصف واعتذرت منه والتقطت معه صورة تذكارية، وإن المطربة «أريام» أخرجت من الجناح بمعرفة الهيئة.عضو الهيئة، مثلما نشرت الصحافة المحلية، يجهز حاليا لرفوع دعوى قضائية ضد إدارة الجنادرية لأنهم لم يتعاملوا معه بصورة جيدة، وإمارة الرياض شكلت لجنة تحقيق لمعرفة الأسباب والخلفيات ولمنع تكرر الحادثة مستقبلا، وقالت بأن إدارة الجنادرية والهيئة يتحملان معا مسؤولية اجتهادهم وتقديرهم غير الموفق، واللجنة بدأت أعمالها يوم السبت 13 أبريل، وبالتأكيد اختلاف وجهات النظر بين المؤسسات الحكومية وارد ويحدث باستمرار وإن لم ينشر، والخلاف مفيد في وضع حلول مناسبة لمعالجة الأخطاء والتجاوزات أو تحييدها قدر الإمكان، ومهرجان الجنادرية استثمار ثقافي ناجح وماركة سعودية مسجلة لها تاريخها واهتماماتها الخليجية والعربية، وفي المهرجان تعريف أنيق بجماليات الإنسان السعودي وموروثه وثقافته، وفعالياته يتابعها الإعلام العربي والغربي، وكل ما نتمناه أن لا تستغل الجنادرية لتمرير رسائل إعلامية مشحونة أو متحاملة. نقلا عن عكاظ