التنبؤات الإحصائية المستقبلية لدى علماء السكان تؤكد أن القرن الحادي والعشرين سوف يكون قرن المسنين، فالزيادة الكبيرة في أعداد المسنين في جميع دول العالم أصبحت إحدى الخصائص الديموجرافية للعصر الحاضر، ومن المتوقع أن تستمر في الازدياد خلال القرن الحادي والعشرين، والسبب في هذه الزيادة يعود إلى التقدم الطبي والتكنولوجي والاهتمام بصحة الإنسان والرعاية الطبية والتحصينات ضد الأمراض ونتج عن ذلك زيادة عالمية في معدلات الأعمار في العالم. وإذا كانت مشكلة شيخوخة السكان مشكلة واضحة في أوروبا والدول الصناعية التي لديها استقرار وثبات في أعداد السكان يمكن التنبؤ بها بشكل دقيق ويسهل التعامل معها، فإنها سوف تحدث بوتيرة أسرع في الدول النامية التي تعاني من انفجارات سكانية وزيادة غير متوازنة في أعداد السكان بشكل عام مثل المجتمع السعودي الذي يسجل زيادة كبيرة في معدلات الخصوبة ولا بد أن تنتج عنها زيادة واضحة في أعداد السكان تفوق المعدلات الطبيعية بكثير. وعلى الرغم من أن المجتمع السعودي لا يعاني من مشكلة الشيخوخة بشكل واضح الآن ويصنف من المجتمعات الشابة، إلا أن هذه المرحلة لن تطول وسوف نجد أنفسنا أمام أعداد كبيرة من المسنين قد تصل إلى خمس إجمالي عدد السكان خلال الثلاثة عقود القادمة، وهذا يفرض علينا وجوب الاستعداد لهذه المرحلة التي من المتوقع أن تشهد الكثير من المشكلات المرتبطة بهذه الشريحة من السكان. فمن المعروف أن كبار السن يعانون من الأمراض المزمنة التي تتطلب عناية طبية مرتفعة التكلفة والبعض منهم يحتاج إلى رعاية طبية دائمة يتطلب توفيرها الكثير من الجهود البشرية والمادية. وبنظرة سريعة لواقع المسنين في المجتمع السعودي نجد أنهم يعانون من نقص في خدمات الرعاية الصحية فلا يوجد تأمين طبي خاص بهم، بل العكس نجد أن شركات التأمين ترفض التأمين الصحي على من تجاوز سن الستين، ليس هذا فحسب بل إن الشخص الذي يتمتع بغطاء تأميني يتم إيقافه بسبب بلوغه سن الستين عاما وهذا يعد انتهاكا واضحا لحقوق الإنسان بسبب كونه أصبح مسنا، وهو موقف سلبي يجب على شركات التأمين إعادة النظر فيه. وبالإضافة إلى المشكلات الصحية نجد أن المجتمع السعودي يعاني نقصا في خدمات الرعاية الاجتماعية في هذا الجانب؛ فالكثير من المسنين ليس لهم دخل والبعض منهم لم يكونوا موظفين وبالتالي فليس لهم تقاعد ولا تأمينات وحتى في حال وجودها فإنها لا تفي بمتطلبات حياتهم التي تزداد تكلفتها بمرور الوقت وارتفاع مستوى المعيشة. أما من ناحية الرعاية الأسرية والمجتمعية فنجد أن الكثير من الأسر تقوم بواجبها الديني والأخلاقي في هذا الجانب، إلا أن ثمة حالات متزايدة تلفت الانتباه، فالكثير من المستشفيات تشتكي من هجر المسنين وتركهم في المستشفيات فترة طويلة والتخلي عنهم ومن المتوقع أن تزداد هذه المشكلة بمرور الوقت وهذا مؤشر خلل اجتماعي ينبغي الاحتياط له والاهتمام بمراكز رعاية المسنين الصحية والاجتماعية وإجراء دراسات متخصصة في هذا الجانب. إن مشكلة شيخوخة السكان تفرض على المجتمع السعودي أن يستعد منذ الآن لزيادة الطلب على الرعاية الصحية والاجتماعية ويمتد هذا الاستعداد ليصل إلى الاحتياط للعجز الذي ربما يواجه معاشات التقاعد والتأمينات بسبب ارتفاع معدلات الأعمار في المستقبل القريب خصوصا وأنه سوف يكون مصحوبا بارتفاعات متوقعة في مستوى المعيشة، إلا أنه يمكن التعامل مع جميع هذه المشكلات إذا وجدت الرغبة والجدية لأنه يمكن التنبؤ بها وهذا يجعل الاستعداد لها خيارا واضحا ويمكن العمل عليه من هذه اللحظة وعدم قبول الأعذار في هذا المجال. رعاية المسنين والاهتمام بهم واجب شرعي وأخلاقي ويجب القيام به على جميع المستويات الفردية والأسرية والاجتماعية وهو استجابة لنداء الشريعة الإسلامية التي أكدت على ذلك بشكل واضح وصريح فضلا عن كونه واجبا أخلاقيا وإنسانيا يجعلنا ملزمين برد الجميل للأجيال التي ساهمت في بناء المجتمع وكان لهم دور فاعل في التربية والتعليم والبناء والإنتاج عندما كانوا في مرحلة الشباب ولذلك فإن واجبنا الأخلاقي يفرض علينا الاهتمام بجميع متطلبات حياتهم في مرحلة الشيخوخة وبشكل يحفظ لهم كرامتهم والتمتع بجميع حقوقهم دون نقصان ويجب أن نكون جاهزين للتعامل مع هذه المعضلة الديموجرافية القادمة. نقلا عن الوطن السعودية