لقد تفاجأ الأهالي في المنطقة الشرقية، بمن وأد فرحة العيد في قلوب صغيراتهم، في مدن وصالات الألعاب والملاهي الترفيهية في المراكز التجارية وغيرها، وذلك بمنع البنات اللواتي تجاوزت أعمارهن ال12 سنة، من اللعب واللهو البريء فيها. وبالطبع سمح للأولاد باللعب متى شاؤوا وكيف شاؤوا وأين شاؤوا؟ وكأن الفرحة بالعيد مخصصة فقط للأولاد دون البنات؛ مع كون البنات المحصورات بين أربعة جدران، هن أحوج منهم بالتمتع بالفرحة والبهجة، خاصة في العيد. وهذا ما يعمق الحس بدونية البنات في قلوبهن الغضة في مجتمعنا، وتأكيد ثقافة الحرمان في شعورهن، وهذا تعدٍ على كرامتهن الإنسانية ومواطنتهن، بدون أدنى مسؤولية. وهذا حسب ما نشرته صحيفة الحياة يوم الأحد الفائت، في تحقيق لها أعدته تحت عنوان (الأمر بالمعروف تشدد على مدن الألعاب بعدم السماح للفتيات فوق ال12 باللعب). وجاء في التحقيق: "رصدت إدارات مجمعات تجارية في المنطقة الشرقية، مخالفات عدة في مدن الألعاب الموجودة داخلها. وتركزت المخالفات على السماح للإناث فوق ال12 سنة باللعب.. وتأتي هذه الخطوة تحسباً من محاسبة إدارات المجمعات..."، حيث يذكر التقرير: "وشددت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على ضرورة الالتزام بتلافي هذه المخالفات خلال أيام العيد. ملوحة إلى أنها ستكون الفرصة الأخيرة لهذه المدن، وإلا فسيتم إغلاقها، أو فرض غرامات مالية، لمخالفة التعليمات والاشتراطات التي تم وضعها أخيراً". وقد أدخل جهاز الهيئة إدارات المراكز التجارية بأزمة إدارية وقانونية، من دون وجه حق؛ حيث ذكر التقرير، أن المدير الإداري لأحد المجمعات في المنطقة الشرقية، قد احتج على تطبيق الهيئة عقوبة إغلاق المجمع بكامله في حال خالفت إحدى الصالات الترفيهية فيه أوامر الهيئة، مما يعني إغلاق جميع المحلات فيه التي هي ملتزمة بدفع إيجاراتها ولم تقترف أي مخالفة من مخالفات الهيئة، حيث طالب بقفل الصالة الترفيهية المخالفة وحدها، لا المجمع بكاملة. وذكر في التقرير أن مشرفي مدن الألعاب يتعرضون أحياناً لضغوطات من قبل فتيات مراهقات، يستهوين اللعب والمرح والتمتع بالإجازات. وفي التقرير أبان مشرف أحد مدن الألعاب الترفيهية، أن المخالفات (يقصد السماح بفرح الفتيات بالعيد والإجازات!)، تحدث أثناء وقت الذروة، وأحياناً بعض العمالة الآسيوية، لا يلتفتون إلى الفئات العمرية، ويكونون في حالة عمل مستمر، خاصة في وقت الزحام، ونتفاجأ بأن فرقا من الهيئة تواجدت في المكان.. خاصة في تواجد العائلات، التي ترى في المكان متنفساً لها في الإجازات والأعياد. وفي المقابل ذكر التقرير اعتراض العائلات على منع بناتهم من اللعب، واعتبروه "تقييداً للحرية". حيث قالت أم سارة: "لوحظ قبل نحو شهرين، أن بعض المدن الترفيهية، ترفض السماح للفتيات اللاتي تجاوزت أعمارهن 12 سنة باللعب، وكان الرفض قاطعاً من قبل العاملين فيها". وأرى خيبة أمل أم سارة، فلو كانت تعلم بأن الحال ستسوء لهذا الحد من "تقييد الحريات وتجفيف الابتسامات" لما أسمت ابنتها سارة، حيث من أين يدخل السرور لقلبها الغض الصغير، وجماعات متحكمة في محيطها تعتبر سرورها نوعا من أنواع المنكر يجب محاربته وإزالته وتأكيد النهي عنه، ولو أتى على حساب قطع أرزاق الناس وإغلاق جميع محلاتهم في مجمعاتهم التجارية، بسبب بسمة طفلة. السؤال الذي يطرح نفسه علينا، لو قبلنا بشرعية مثل هذا النظام المجحف بحق فلذات أكبادنا من صغيراتنا، هو كيف يمكن التأكد من عمر الطفل، هل تجاوز سن ال12 أم لا؟ حيث الأطفال لا يحملون معهم هويات تحدد أعمارهم، خاصة كون بعض الأطفال يبدون أكبر من أعمارهم أو أصغر منها. ثم إن منع البنات والسماح للأولاد باللعب، هو تمييز يحطم براءة أطفالنا أولادا وبنات، وتزرع فيهم الحس بالفوقية والدونية المقيتة، وهذا مناقض لأصول التربية والتنشئة السليمة. علماء التربية يؤكدون على أن البنت تبدأ تكره نفسها، كبنت، عندما يبدأ التمييز واضحاً بينها وبين أخيها أو زميلها الولد وتبدأ بفقدان الثقة بنفسها، وتجعلها ترى أن الولد مخلوق "سوبرماني" تتمنى التقرب منه والتعرف عليه أكثر. أي بأن عملية التمييز بين الأنثى والذكر منذ النشأة الأولى، تجعل من الأنثى ضحية أسهل للذكر في سنوات البلوغ، وقد يكون هذا مدعاة للتمهيد لنشر الرذيلة بين شباب وشابات مجتمعنا يا حماة الفضيلة! علاوة على أن جهاز الهيئة، في نظامه هذا، يضع نفسه في صدام مباشر مع أولياء أمورهن، حيث تجرأ الجهاز ونصب نفسه وليا عليهن وعليهم، بدون تفريق وبدون حق. فتربية الأطفال الخاصة هي شأن عائلي خاص، لا يحق لأي جهاز إداري أو تنظيمي التدخل فيه، لا من قريب ولا من بعيد. ثم من المعروف أن جهاز الهيئة، هو جهاز تنفيذي، لا يسن القوانين ولا يبتدعها، أي هو ليس بجهاز تشريعي بل تنفيذي؛ فعلى أي أساس نظامي أو قانوني، يسن الجهاز أنظمة ويشرعها، خاصة كونها تحتوي على عقوبات صارمة وشديدة تطبق على من يخالفها من المواطنين من نفسه ويطبقها بنفسه وعلى من يشاء وبالطريقة التي يشاؤها؟! ثم بأي حق شرعي تتم معاقبة عدة محلات في مجمع تجاري، بسبب مخالفة محل واحد فيه؟ ونفس السؤال يصح على مدينة الملاهي، ففيها أكشاك ومطاعم مستأجرة، لا تخص صاحب مدينة الملاهي أو تدخل ضمن إدارته؛ فعلى أي أساس قانوني يتم إغلاق المدينة بكل ما فيها من محلات، بسبب مخالفة عامل واحد يشرف على أحد أجهزتها؟! قال تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى". ثم إن الدولة قد وقعت على اتفاقية دولية لتجريم التمييز العنصري ضد الإناث، التي أصبحت جزءا من نظام الدولة؛ فعلى أي أساس يقوم جهاز من أجهزة الدولة، حري به أن يمثلها ويلتزم بما التزمت به، بالتمييز ضد الإناث، حتى وهن في سنوات الطفولة، وهذا مضاد لتوجه الدولة وتطلعاتها وخططها التطويرية والتنموية الحالية والمستقبلية؟ وهذا يجعل النساء وهن نصف المجتمع ينظرن للجهاز نظرة سلبية، تنعكس على ثقتها في الجهاز وفي مجتمعها ووطنها، وقد تصل حتى لهز ثقتها بصلاحية ثقافتها لإدارة شؤون حياتها الخاصة والعامة. أهكذا تعامل الملكة، كما يحلو للمحافظين، تسمية المرأة، في مجتمعنا؟ وفوق كل هذا وذاك، فنظام الهيئة بمنع لعب البنات الصغيرات في الملاهي، هو نوع من الاعتداء غير المقبول بأي حال من الأحوال على حقوق الأطفال، وانتهاك لشأن من شؤون الأسرة الخاصة، يجب التوقف عنه سريعاً الآن وبدون أدنى تردد. نقلا عن الوطن السعودية