منذ أعلن الملك عبد الله - حفظه الله - عن خطة تطوير القضاء، ورصد الأموال الطائلة للمشروع، والكل يترقّب خطوات التطوير، وينتظر إخراج القضاء من البيروقراطية، لكن يبدو أنّ المهمة التنفيذية لازالت تقدم رجلاً، وتؤخر أخرى، فالهيكل العام لم يطرأ عليه تغيير جذري، ولا زالت السلطة الإدارية تسيطر على كثير من زواياه، ولا زال المواطن يواجه عوائق في واجب استيفاء حقوقه، بالرغم من صدق النوايا وإصرار السيادة العليا على مشروع التطوير، لكن مع ذلك لم نبتعد كثيراً عن ما كنّا فيه منذ عقد من الزمان، ولا زالت كثير من اللجان القضائية تحت سلطة الإداري، أو تحت سلطة الخصم والحكم، فإن شاء سهل الأمر، وإن شاء حفظها في الدرج، وتوقف عن الكلام إلى أن يُصاب المدّعي باليأس ثم يتوقّف عن الجري خلف حقوقه. يُقال إنّ القضاء حائط أخير يتكئ عليه الناس في كل المجتمعات البشرية، وأقول إنّ القضاء النزيه والمستقل مفتاح الاستقرار والكلمة السحرية التي تفتح أبواب المستقبل نحو المجد، ولعل أكبر حائط تصطدم به قضايا الحقوق، وقد تكون واهية وليس لها وجود، لكن في ظل غياب الشفافية يحسب القاضي ألف حساب لعتاب قد يأتيه يوماً ما من الشخصية الاعتبارية، لذلك يتهرّب من اتخاذ أي قرار قد يعود عليه بالضرر في عمله، ويمدد في جلساته إلي أن يشاء الله أمراً آخر. وجه الغرابة أنه يوجد لدينا تشريعات وقوانين تنص على الجرم وعلى عقوبته، لكنها مع ذلك لا تدخل في كثير من الأحيان نطاق التطبيق، وتفتقر إلى التطوير والتخصيص، والمطلوب أن تكون التشريعات في مختلف المخالفات والجرائم مثبتة في تشريعات يتم تجديدها كل عام، وذلك لأنّ الجرائم تتغير وتتطوّر، كما أن يكون هناك مراقبة لمختلف القضايا ورصد للتفاوت في الأحكام فيها، وذلك من أجل رفع مستوى ثقة المواطن في جهاز القضاء، نحن نعيش في عصر مختلف، ويتطلّب أن نتواصل مع فصول التطوّر فيه، وأن نعلن القطيعة مع القضاء الشفوي، ولن يحدث ذلك بدون مواجهة الخيار الصعب، ثم تجاوزه من أجل مستقبل الوطن الغالي. حسب وجهة نظري يُعد خوف المسؤول من فقدان منصبه إذا عجل في حلقات التطوير عاملاً مهماً لحالة الشلل التي نعيش فيها، لذلك تجده يمشي بجانب الجدران، ويتلمّس طريق النجاة، ويخاف من ظله، من أجل ضمان استمراره في المنصب، ويحاول التهرب من مواجهة الأغلبية الصامتة، فيحاول التملّص من مقابلتهم والوقوف على طلباتهم، والسبب أنّ المواطن لا يملك أيّ قدرة على تقييم عمل المسؤول، وليس عليه إلاّ الاستجداء ثم لعلّ وعسى .. من أجل هذا الوطن الكبير يجب أن تبدأ القافلة في التحرك نحو المستقبل، وفي مقدمة ذلك أن تظهر توجيهات خادم الحرمين - حفظه الله - في مهمة تطوير القضاء وإخراجه عن السلطة الإدارية، وأن يكون لاستيفاء الحقوق خط مباشر، وأن لا يدخل في تحويلات مطولة، قد تنتهي إما بالحفظ، أو بالتمطيط الذي يؤدي في النهاية إلى قتل القضية من الوريد إلى الوريد، ونحن نؤمن أنّ النوايا الصادقة كانت ولا زالت خلف تلك القرارات الجريئة، لكن التنفيذ لا يزال يحبو أمام سرعة تطوّر وعي الناس وإصرارهم على استيفاء حقوقهم، والله يحفظ وطننا العزيز. نقلا عن الجزيرة