وماذا بعد مسلسل عمر؟! مسلسل آخر يحكي عن سيدنا عليّ - كرم الله وجهه-. نعم، فنحن في أمس الحاجة إلى مسلسل يروي الرواية من أولها، كيف بدأ الخلاف؟ ومتى؟ وماذا جرى؟ وبين من؟ ولصالح من؟، فأكاد أجزم أن كباراً بالغين لا يعرفون التفاصيل، دع عنك تشعّباتها، وقبل أن تخرج إيران بنسختها وبرؤيتها عن عليّ، وكأن سيرة أهل البيت احتكار حصري لشيعة إيران، لابد - بل ويجب - أن نسارع وندقق في الروايات التاريخية، لنخرج بأقرب نص إلى حقيقة ما جرى بكل موضوعية ممكنة، فهذا العمل إن تم على الوجه الأمثل، وخصصت الميزانيات الجبّارة لإنتاجه وإخراجه وتمثيله وكتابته كما جُندت لمسلسل عمر، فسيكون حدثاً جللاً ولا شك، وهو ما ينبغي على الجهات المنتجة لمسلسل عمر أن تبدأ بالإعداد له من اللحظة، فإن كان مسلسل عمر استغرق لحين الانتهاء منه 10 أشهر و18 يوماً، فمعناه أن مسلسل عليّ يحتاج إلى مدة مماثلة أو أكثر منها، وهذا طبعاً بعد أن يكون قد فُرغ من ورشة السيناريو والحوار التي تستغرق الوقت كله، وهو أمر من الصعب التحكم به بتقدير الباحث الصبور، صاحب الجَلَد الكبير وليد سيف. استلم الإمام عليّ - كرم الله وجهه - دفة الخلافة بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه - في ظروف قاهرة، فهل رأبُ الصدع والأحداث جريا على غير ما أراد؟ ليُقتل رابع الخلفاء الراشدين كما قُتل ثالثهم وثانيهم من قبله، فتنتهي الخلافة إلى مُلْك أقامه الأمويون، وتمر السنون ولا تنقضي الفتنة بموت يزيد، وإنما تقطع مرحلة من مراحلها، لتستأنف عنفها وشدتها بعد موت ابن معاوية، فتعرِّض المسلمين ودولهم إلى معارك لا تزال رحاها دائرة، فتُفسد على الناس أمور دينهم ودنياهم بتواصل قتال تزهق فيه الأرواح وتضيّع المقدّرات، في صراع استثمره أعداء الدين، وها نحن نخوض في أمور تقطعت دونها أعناق المسلمين ولم نبلغ شيئاً، حتى استيأس بعض الشيعة نجيا، فاعتقدوا في إمام من أئمتهم يخرج عليهم فيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً، فكرة «المخلِّص» التي أراحتهم فناموا عليها كما نام عليها غيرهم. «الفتنة الكبرى - عليّ وبنوه» بحث لعميد الأدب طه حسين قال فيه: «وكان عمر صاحب فراسة وحدس لا يكاد يخطئ حين قال: لو ولّوها الأجْلَح (من انحسر شعره) لحملهم على الجادّة، فكان يرى أن علياً أشبه الناس به، شدة في الحق وغلظة على من ينكرونه، ولكن القوم لم يولّوا خلافتهم الأجْلَح بعد وفاة عمر، وإنما ولّوا خلافتهم عثمان، فكان من أمره معهم، وأمرهم معه ما كان، حتى إذا اضطرب حبل السلطان وظن بعض الناس ببعض أسوأ الظن، هنالك فزعت كثرة منهم إلى عليّ فبايعته، واعتزلته طائفة لا يريدون به بأساً، وأبت عليه طائفة لا تحبه ولا تريد أن تستقيم له طائعة، ونظر الخليفة الجديد وأصحابه معه، فإذا هم يواجهون أموراً عظاماً، وقد أحاطت بهم فتنة معمّاة، إذا أخرج الرجل فيها يده لم يكد ليراها»، وفي رواية أن عمر قد أوصى وهو على فراش الموت أن يكون الأمر شورى من بعده في ستة رجال كان عثمان وعليّ من ضمنهما، وسؤالنا: أفلا تنتظر منّا تلك الحقبة المهمة عملاً فنياً مرئياً يوضحها ويشرح ملابساتها؟! نقلت صحيفة «الحياة» رأياً لأستاذ الشريعة خالد المصلح جاء فيه أن الشيخ عبدالرحمن بن سعدي لم يجد بأساً ولا حرجاً في تمثيل الصحابة قبل 50 عاماً حين مُثلت أمامه غزوة بدر في معهد الرياض العلمي، الدكتور المصلح وصهر ابن عثيمين وأحد تلامذته المقربين، رأى أن الشقاق الذي أحدثه الرافضون لمسلسل عمر بعد بثه قد أثار الفتنة والبغضاء، لدعوته لمواصلة الإنكار بعد وقوع الأمر في قضية يسوغ فيها الخلاف، فحتى تجسيد الصحابة من جانب شخصيات غير إسلامية لا إشكال فيه، طالما أن الأداء كان متقناً مؤدياً للغرض منه، وعليه نختصر فنقول: نحن المؤيدون في انتظار مسلسل «عليّ». نقلا عن الحياة السعودية