لنفترض جدلاً أن مهرجان الجنادرية شهد فعلاً ''مخالفات شرعية'' و''اختلاط النساء بالرجال'' و''رقصاً''، وسنفترض أيضا أن ما حدث كان ''كبيرة من الكبائر''، وإن كان قد حصل فعلاً، فإن مَن قام به هم قلة قليلة لا تمثل الأكثرية بأي حال، وسنقول إن هذا حدث فعلاً بحسب ما يقولونه، وأنكره المحتسبون، فهل يعني أننا بتنا أمام واقع تغيير المنكر ب ''اليد''، والتعدي على جهاز رسمي مهمته القيام بهذا الأمر؟ ولنكن صرحاء أكثر ونعد مثل هذا التصرفات، بمثابة دعوة صريحة لتهميش دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلغائها، واستبدالها بفرق، إذا صح التعبير، تنكر المنكر بحسب ما تراه هي، وبعيداً عن أنظمة الدولة وقوانينها وضوابطها. هذا ما حدث تحديداً خلال يومين سعى خلالهما العشرات للذهاب للجنادرية، لا للزيارة وحضور الفعاليات المصاحبة للمهرجان، ولكن لإنكار ما يعدونه منكراً حدث، ووجب عليهم شرعاً الحد منه، وفي هذا الفعل تجرؤ خطير على هيبة الدولة، ولو ترك للناس، أيا كان مقصدهم والهدف منه، فذلك يعني السماح لآخرين بالقيام بالفعل ذاته، فاستخدام فئة من الناس لأي سلطة كانت، واعتبار أنه يحق لهم ما لا يحق لغيرهم، يسحب البساط شيئاً فشيئاً من أنظمة الدولة وقوانيها، وبالتالي فرض الأمر الواقع في تعاطي الناس مع ما يواجهونه من أحداث يرفضونها، أو ما يعتقدون هم بذلك. خطير ما يحدث من هتافات جماعية ومواجهات مع قوات الأمن، وتعزيزات لقوات مكافحة الشغب، وإصرار على اقتحام الجنادرية ل ''إنكار المنكر''، وكأننا أمام موقف يريد منه البعض ترسيخ ثقافة جديدة وفكر يسمح بالوصول إلى أبعد مدى، وهم وحدهم يحددون الهدف الذي يعملون كل هذا من أجله والطريقة المناسبة لذلك. الغريب، والمريب في الوقت نفسه، أن ''الهيئة'' كانت حاضرة في كل زوايا الجنادرية، وإذا ما حدث ما اعتبره البعض ''منكراً''، فهذا من صميم عمل ''الهيئة''، والتي لا شك أنها لا تقف موقف المتفرج عليه. أعلم أن هناك مَن يحاجج بما تم بثه على اليوتيوب، ولكن ما أدراكم أن أعضاء الهيئة عالجوا الأمر في حينه، أم أنه يُفترض عليهم أن ينكروا المنكر بمنكر وفضيحة مدوية حتى يرضوا أولئك ''المحتسبين''. تيار عريض كان يهاجم كل مَن يرونه يغمز ويلمز من بوابة إلغاء ''الهيئة''، غير أننا فُوجئنا أنهم هم مَن يتجهون لإلغاء صلاحيات هذا الجهاز الحكومي، وإحلالهم لطريقة جديدة تفضي في نهاية الأمر إلى نشوء جهاز جديد للحسبة، لكنه بلا تنظيم ولا قوانين ولا ''ما يحزنون''. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين على كل مسلم، والهيئة تقوم بعملها هذا ولا ينازعها أحد، فكيف يسمح لمَن يريد أن يزايد حتى على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! قلناها كثيرا أخطر ما يمكن أن يحدث في أي دولة في العالم هو الجرأة على الدولة، وهؤلاء الذين اعتبروا أنهم ينهون عن منكر ربما قاموا بمنكر كبير في كسر هيبة الدولة، وتشجيع الآخرين على القيام بمثل هذا العمل. ماذا لو قام هؤلاء بالتوجه لرئيس ''الهيئة'' وتسجيل ما يرونه من ملاحظات أو ''منكرات''، ألم يكن أجدى وأكثر عقلانية من أن تتحول أفعالنا إلى ردود فعل سيئة حتى لو كان مقصدها حسنا! نقلا عن الاقتصادية