في هذا العالم الجديد الذي نعيشه تتشكّل جمهوريات وثقافات، وتظهر شعوب وكتل بشريّة خارج سياقات التاريخ المتوارث والثقافة السائدة وبدون مخططات هندسها سادة الحرب والدمار في "سايكس بيكو" أو "فرساي ويالطا". هنا - على سبيل المثال - استقلّت جمهورية عظمى اسمها "فيس بوك" دون دعم خارجي أو ثورة داخليّة. ويُتوقع أن يبلغ عدد مواطنيها بنهاية عام 2012م قرابة المليار مواطن وهم في نمو لن يؤخره إلا سطوة منتجات الكترونية جديدة تملك من الإغراء ما يجذب لها شعوب عصر المعلومات. ولا غرابة خاصة اذا ماعلمنا أن مواطني هذه الجمهورية الجديدة - الفيس بوك - يتشاركون في أكثر من 3.5 مليارات مادّة معلوماتية فيما بينهم كل أسبوع. أمّا المارد الإلكتروني الآخر وهو شبكة "تويتر" فيكفي أن نعلم أن عدد مستخدميه سيتجاوز نصف مليار مستخدم مع نهاية الشهر القادم (مارس) وهو ما تكشفه مؤشرات نموه المذهل حيث يضاف إلى منصة "تويتر" حوالي 11 حسابا جديدا كل ثانية ولا ننسى أن قرابة 55 ٪ من المستخدمين يتصلون "بتويتر" عبر هواتفهم النقالة. ومن سخريات التاريخ أن نجد زعيما مثيرا مثل "معمّر القذافي" في نظريته الخضراء وهو يسبق الكثيرين في شطحاته فهو من أوائل من بشّروا بزحف الجماهير على السلطات واكتساحها وهو ما حصل في حالته وزوال دولته. والعجيب أيضا أن "القذافي" ابتكر مفهوما جديدا وسمّى به دولته وهو مصطلح " الجماهيرية العظمى" وقد تحققت هذه الدولة الخياليّة في ذهن العقيد على الواقع الافتراضي وباتت شبكات التواصل الاجتماعي تجسيدا طريفا لهذا المفهوم. إن شبكة "فيس بوك" ومعها شبكة "تويتر" هما في واقعهما "جماهيرية" لتعدد الجماهير، وهي "ديمقراطية" فكل من عليها يقول ما يشاء عمّن يشاء، وهي "عظمى" لضخامة حجم المحتوى والمستخدمين واتساع نطاقها الجغرافي والفكري. إذاً فالثابت في عصر المعلومات واقتصاد المعرفة هو هذا الانقلاب التاريخي "الديناميكي" في كثير من المفاهيم الثقافية والعلاقات الاتصالية ناهيك عن إرباك آلية الدورات الاقتصادية وفنون صناعة المال. وكنّا حتى وقت قريب مستسلمين لما استقرّ عليه الفكر البشري المعاصر من أفكار عمادها أن البرجوازيّين والإقطاعيّين هم عماد الرأسماليّة في أوروبا والولايات المتحدة وهم وحدهم المحتكرون للثروات والمعلومات ومصادر الطاقة على مدى عقود (قرون) طويلة. وقد راقب سكان الأرض أشكال المواجهة على الجانب الآخر في الشرق وأجزاء من الغرب بتبني مذاهب (الماركسيّة) الشيوعيّة التي نصّبت نفسها مناضلا متحدثا باسم العمال والكادحين. ولأن دوام الحال محال ففي غضون ثلاثة عقود أو تزيد قليلا تغلغلت ثم سادت (ديمقراطية) ثورة المعلومات والإنتاج المعرفي الضخم فقلبت معادلة رأس المال ومفهوم "السلطة والشعب "ليصبح الصينيون (الشيوعيون) والهنود (العمال) أهم عناصر صناعة وتعميم (برجوازية) عصر المعلومات، ويشترك الغرب والشرق معا في قطف ثماره الكبرى ثم نعود لنكتشف أن لا سيادة بعد اليوم لحزب (الشعب) الواحد أو ثقافة (التيّار) الغالب لأن المؤكد أن الجماهير وحدها تملك أدوات "السلطة" في عصر الفضاء المفتوح وإعلام الناس للناس شئنا أم أبينا. نقلا عن الرياض