مر العالم العربي في عام 2011 بأحداث استثنائية وتاريخية فيما عرف اصطلاحا ب«الربيع العربي»، كان لها الأثر الكبير في زيادة هامش الحرية، المطالبة بالتغيير والإصلاح، على المستويين السياسي والاجتماعي بل والاقتصادي، وفي جميع الدول العربية بدون استثناء. أما نسبة نجاح الدول في مواجهة هذه المطالب، فقد توقفت كثيرا على قدرة المؤسسة السياسية في كل دولة على استيعاب واحتواء هذه المطالب ما أمكن، وتوظيفها التوظيف العقلاني في استقرار الدولة والمجتمع من خلال مؤسسات الدولة المختلفة. إلا أن مؤسسات الدولة في بعض هذه الدول لم تواكب توجه المؤسسة السياسية في الإصلاح والتغيير. فمؤسسات الدولة نفسها في العالم العربي تعاني من معضلة رفض التغيير التي تقف في وجه الإصلاح، وتفشله، وتصرفه عن أهدافه وغاياته.وفي هذا الجو الرافض أحدثت الإصلاحات والتغييرات صراعا مفتعلا داخل مؤسسات الدولة بل وفي المجتمع، يتبناه التيار الرافض للتغيير وتغذيه ممارسات بعض القيادات والتيارات الفكرية المحسوبة على التغيير أيضا، وغير القادرة على فهم المرحلة من خلال ترسيخها لمفاهيم حزبية وطائفية وغيرها من مفاهيم، باسم الإصلاح والتغيير، على حساب وحدة الوطن، وحق الفرد في العيش الحر الكريم (من حيث تدري أو لا تدري) مما ساهم في تعطيل عملية الإصلاح تلك. تم ذلك في ظل غياب نظام مؤسسي، يجمع ولا يفرق ويتبنى وينفذ عملية الإصلاح والتغيير تلك، واكبه ضعف المتابعة الصارمة للعملية الإصلاحية، مما ساهم في تعطيلها وانحرافها عن مسارها الذي رسم لها من قبل المؤسسة السياسية الراغبة في الإصلاح، إضافة إلى افتقاد بعض شرائح المجتمع والعاملين في مؤسسات الدولة للفهم الصحيح لثقافة التغيير والإصلاح، مما أصاب البعض بالتوتر والاضطراب، فقادهم إلى التشاؤم من المستقبل وبالتالي الانكفاء (متوهمين) على ما يظن أنه يؤمن لهم الأمان، خلاف الدولة، كالطائفة أو القبيلة أو الحزب بل وحتى القوى الخارجية. ويصف بعض المختصين بشأن الاجتماع السياسي حالات التوتر والاضطراب هذه، بأنها نوع من التشتيت والضياع السياسي، الذي يتسم بالإحباط الناتج من عجز الحكومات عن تحقيق الآمال والطموحات نتيجة استمرار مؤسسات الدولة في ترسيخ تلك المفاهيم المعوقة لعملية الإصلاح والتغيير، وعدم قدرتها على التكيف مع المتغيرات. إلا أنه يؤخذ على هذه النظرة إغفالها لأهمية الإرادة السياسية في تخطي هذه العقبات، من خلال إتاحة الفرصة للفرد ليكون شريكا فاعلا في صياغة مستقبله ومستقبل وطنه، وترسيخها لمفهوم العدالة الاجتماعية لتحقيق المواطنة الصحيحة، ليصبح الوطن مقدما في فهمها للإصلاح والتغيير على غيره (بعيدا عن تلك التجاذبات المعوقة بأنواعها والولاءات المستترة والمتغلغلة في مؤسسات الدولة). فمجرد الدعوة للإصلاح والتغيير، غير كاف لإقناع الرافضين للتغيير، بالأهداف والخيارات الاستراتيجية لعملية الإصلاح تلك، ما لم يؤازرها إرادة سياسية فاعلة وخطة توعوية ثقافية شاملة لتغيير كثير من المفاهيم المعوقة، يتم تشكيلها وصياغتها في مراكز متخصصة، تجمع جميع الأطياف والكفاءات الوطنية المتخصصة. ولا تكاد توجد مثل هذه الإشكالات في الدول المتقدمة، لكون مفهوم الإصلاح والتغيير عندهم يختلف كثيرا عما هو عليه في العالم العربي. فهم يرون الإصلاح والتغيير عملية مؤسساتية لا ترتبط بالحزب أو الطائفة أو الأشخاص وتصب في صالحهم، بل تصب في مصلحة الوطن أولا ثم الفرد فالمجتمع. فقياس نجاح المؤسسات السياسية وقياداتها لديهم، هو في مدى استجابة مؤسسات الدولة لتحقيق تطلعات الفرد، «وليس غير الفرد»، في صياغة مستقبله ومستقبل وطنه، تحقيقا للعدالة وسيادة القانون. لذلك فهم لا يحتاجون إلا إلى مواكبة الإصلاح والتغيير بخطة أو حملة خاصة تعالج ثقافة المفاهيم تلك! نقلا عن الشرق الاوسط السعودية