أن تكون كاتبا أو شاعرا أو مبدعا في حقول المعرفة المختلفة هو أن تكون مغايرا ومختلفا ولست شبيها لأحد ولا بد أن تكون كذلك لا أن تكون شبيها.. لهذا الشاعر أو هذا الكاتب أو هذا القاص وتكون أفكارك وأشعارك هي نسخة مشوهة لهذا الشاعر أو هذا المفكر ومعنى ذلك هو انسداد الأفق لديك ودليل قصور في المعرفة ومحدودية الإبداع عندك وبالتالي فإن ما تقدمه وما تضيفه للناس والإنسانية ليس فيه جديد. أن تقلد المتنبي لن تكون متنبيا آخر بهذه الموهبة الشعرية العظيمة التي أصبح من خلالها المتنبي شاعر كل العصور ومسافرا في كل الأزمنة عبر عبقرية الموهبة وعبقرية الشعر، ذلك أن المتنبي ليس شاعرا فقط، إنه شاعر وحكيم وفيلسوف، ولن تكون أبا العلاء المعري الذي أبصر ببصيرته قبل بصره العالم والحياة والناس، ولن تكون بالمقابل بدر شاكر السياب ولا أدونيس ولا محمود درويش أو نزار قباني لأن هؤلاء وغيرهم من الشعراء الكبار قديما وحديثا ارتكزوا على تجربة فكرية وإنسانية وسياسية واجتماعية. وأن تكون كاتبا أو مثقفا ينبغي عليك أنت أن تكون وحدك لغة وفكرا ومعرفة تستزيد من ثقافة وفكر الآخرين من الشرق والغرب وأن تؤسس لنفسك وعيا آخر عبر لغة أخرى مختلفة مستفيدا من الذين سبقوك تقرأ وتستقرئ ورغم ذلك حاول أن تكون أنت لا أن تكون الشبيه. فلن تكون طه حسين آخر أو محمد أركون أو ادوار سعيد ذلك أن الشبيه دائما ما يحيل إلى الأصل ليس في الثقافة والأدب فقط ولكن حتى في حقل الغناء والموسيقى أيضا، فأن تقلد الفنان محمد عبدالوهاب لن تكون محمد عبدالوهاب آخر أو أم كلثوم أخرى أو فيروز، ذلك أن هناك محمد عبدالوهاب واحد وأم كثلوم واحدة وفيروز واحدة. ذلك أن الكبار لا يتكررون والشخصيات المفصلية في تاريخ الفكر والإبداع والموسيقى لا شبيه لهم، إن قيمة ما تكتبه وما تبدعه هو أن تكون شبيه نفسك لا شبيه الآخرين عندما تقلد هذا الشاعر وهذا الفنان وهذا المفكر فإن الناس والقارئ يبحثون عن النسخة الأصل الأولى ذلك أن الشبيه يذكرك دائما بمن يتشبه به والشبيه في كل شيء هو لاشيء.. ومن هنا ينبغي أن يكون الفرد فريدا ولوحده في عمله وفي سلوكه وفكره وثقافته ووعيه حتى الابن لا ينبغي أن يكون شبيها لأبيه يقلده ويريد أن يكون مثله، وكذلك البنت لا ينبغي أن تكون شبيهة بأمها لا بد من الاستقلالية ذلك أن الاستقلالية هي خروج على «النظام الأبوي» بالمعنى السياسي والفكري والاجتماعي والعائلي، إن الاستقلالية تعبير عن شخصية مختلفة وهوية مغايرة، وأن تكون مستقلا إزاء السائد والمألوف والمتبع والمتعارف عليه هو طريق لهذه الاستقلالية والإبداع والقلق الخلاق. كن مستقلا ولا تكن شبيها لأحد. نقلا عن عكاظ