لا أدري على أي أساس علمي وطبي استند ذلك الشيخ الكبير وهو يهتف في إحدى المحطات الفضائية، مؤكدا أن الموسيقى تمرض القلب (!!) يمكن أن تكون مكروهة - أي نعم ما قلنا شيئا - لكن أن تمرض هي القلب تحديدا فهذا ما لا يدخل العقل نهائيا، ولو أنني أردت أن أضرب المثل بنفسي فأنا أستمع إلى الموسيقى تقريبا ليل نهار منذ يفاعتي وحتى كتابة هذه الكلمات التي أصوغها الآن تحت صخب موسيقى (الجاز)، وقبلها استمعت إلى (مارش) عسكري، وقبلهما حلقت مع أغنية عاطفية لم أعرف كلماتها وتؤديها مطربة فارسية، كل هذا حصل ويحصل ولم يمرض قلبي ولله الحمد بعد. ولو أن ما ذكره ذلك الشيخ صحيحا لألفيت (90%) من سكان العالم مرضى قلوب، وأشدهم مرضا هم سكان الشمال من أهل أميركا وأوروبا، ولا ننسى اليابان كذلك. والغريب أنه منذ ما يقرب من تسعة قرون كان الأطباء العرب يعرفون أن الموسيقى دواء للبدن، وعلاج للنفس. وأستند في كلامي هذا إلى ما كتبه الطبيب (ابن جزلة) الذي ولد في القرن الحادي عشر الميلادي، وهذا ما ذكره عنه المؤرخ (التيجاني)، عن كتابه في تقويم الأبدان، حيث يقول: «الموسيقى من الأدوات النافعة في حفظ الصحة وردها، وتختلف بحسب اختلافها طباع الأمم، وقديما وضعت هذه الصناعة لحث النفوس على السنن الصحيحة، ثم استعملها الأطباء في شفاء الأبدان المريضة، فموقع الألحان في النفوس السقيمة موقع الأدوية من الأبدان المريضة، وأفعالها في النفوس ظاهرة، من مشي الجمال عند الحداء، وشرب الخيل عند الصفير، ومرح الأطفال لسماع الغناء، وهي تحدث أريحية ولذة، وتعين على طول الصلاة والدراسة، والأطباء يستعملونها في تخفيف الآلام، على مثال ما يستعمله الحمالون لتخفيف الأثقال!..». والمصاحب للموسيقى في أغلب الأحيان هو الغناء، وكثيرا ما لفت سمعي ترديد كلمتي (الليل والعين) أثناء أداء (المواويل)، إلى أن وقعت على تعليلات أوردها الأستاذ العقاد في إحدى مقالاته التي يقول فيها: «سألت رجلا من رجال (الفن) الأقدمين عن أصل (يا ليل يا عين)، فكانت النتيجة محفوظة في ذاكرته حاضرة على لسانه، ولم يكن أسرع منه إلى أن قال: إن قينة ضربها صاحبها فأصاب عينها وكان اسمه ليل، وكانت تحبه وتستعطفه، فجعلت تغني وتناديه: يا عيني يا ليل.. يا ليل يا عيني.. ثم سارت بعد ذلك في الغناء»! فمن التعليلات الشائعة أن يقال إن نداء الليل والعين يلازم شكوى السهاد وقلة النوم، وهي كثيرة جدا في الأغاني العربية من فصيحة قديمة ومن عامية حديثة. ومن شكا السهاد فليس من العجيب أن يناجي الليل، وأن يأسى على عينه ويأسف لحرمانها من النوم. هذا ما يخص (يا ليل يا عين)، ولكن إلى ماذا ترجع جملة (يا لا دانه لا دانه)، التي كثيرا ما يرددها أهل الخليج والجزيرة العربية في أغانيهم؟!.. ناهيك عن كلمتي (يوحا، والدودحية) اللتين كثيرا ما كان يسلطن ويترنم بهما المغني المرحوم عبد الله محمد عندما يستخف به الطرب نقلا عن الشرق الاوسط