لطالما كانت المصرفية السويسرية مثار اهتمام عالمي بسبب السرية التي تتمتع بها تجاه عملائها ومتانة القوانين القضائية التي تحمي أصحاب رؤوس الأموال وتحافظ على خصوصية بياناتهم. لكن اشتدت الانتقادات لهذه المصرفية من قبل الحكومات الأوروبية وأمريكا، باعتبار أن الكثير من مواطني تلك البلاد لجأوا إلى المصارف السويسرية لتخبئة أموالهم بعيدا عن مقص الضرائب. واشتدت حدة المطالبات بضرورة إعادة النظر في الكثير من الاتفاقيات الدولية المعمول بها مع سويسرا. يتمسك الاتحاد السويسري في قوانينه المصرفية بضرورة التفريق بين التزوير الضرائبي، أي تزوير الوثائق والبيانات، والتهرب من الضريبة، فالقضية في حالة التزوير الضرائبي تعد مخالفة جزائية، قد تنتهي بعقوبة السجن، أما في حال قضية التهرب الضريبي فالأمر لا يتعدى ملاحقة إدارية بسيطة، ولا تتطلب رفع السرية المصرفية. القضاء السويسري، كما هو معروف، يحافظ على أقصى حدود السرية المصرفية ويعاقب الموظف أو البنك الذي يخرق تلك القواعد، حيث استطاع البلد أن يقدم نفسه على أساس أنه جنة ضرائبية تجمع بين التساهل الضريبي والسرية المصرفية. كان أكثر المصارف تلقيا للهجمات بنك اتحاد المصارف السويسري UBS، الذي يستحوذ على 40 في المائة من مجمل الموجودات المصرفية في البلاد. تعرض ذلك البنك كغيره من مصارف العالم لرياح الإفلاس بين 2008 و2009 وتمت مساعدته عن طريق دعم الحكومة له، إضافة إلى تلقيه أكثر من 70 مليار دولار من أموال الخزانة الأمريكية، ما جعله يرضخ للسلطة القضائية الأمريكية في إجباره على تسليم قوائم بأسماء عشرات الآلاف من الأمريكيين المودعين عنده، وفي خريف عام 2008 طلبت وزارتا العدل والمال الأمريكيّتين من مصرف يو بي إس أن يقدّم إليهما مجمل المعطيات المتعلّقة ب 52 ألفا من زبائنه المقيمين في الولاياتالمتحدة. لكن سويسرا، في المقابل، تحاول تقييد وتكبيل تلك المطالبات بالمعلومات، بحيث تجعل ما يمكن إفشاؤه في أدنى الحدود، ولذلك فهي تضع الكثير من القيود في وجه تنفيذ الاتفاقيات بين الأطراف المختلفة. حاولت سويسرا أن تخترق صفوف المطالبين من أوروبا وأمريكا بتبنيها حلا وسطيا يرضي كل الأطراف. ففي مقابل تخلي برلين ولندن عن مطالبة برن بالمبادلة التلقائية للمعلومات الضرائبية، بمعنى تبادل البيانات عن حجم أموال العملاء، جاء الاتفاق بأن تتولى سويسرا بنفسها فرض ضرائب على أموال الأجانب المودعة على أراضيها، كما تقوم لاحقا بتسليم الدولة المعنية حصيلتها من تلك الضرائب، حتى لا تمس الحصانة المصرفية للعملاء. كان لافتا في نتائج المصارف السويسرية في النصف الأول من هذا العام أن إيراداتها الأكبر جاءت من وحدات إدارة الثروات، فالمصارف السويسرية لا تزال المقصد المفضل لأموال الأثرياء حول العالم. حيث أعلن اثنان من كبار المصارف هناك، وهما: يو بي إس وكريدي سويس، أن هناك خططا لخفض التكاليف والاستغناء عن الآلاف من الموظفين في فترة السنوات الخمس المقبلة، خصوصا في وحدات تداول السندات والعملات والسلع الأولية. نقلا عن الاقتصادية