أثناء حرب البوسنة ذهبت إلى ولاية واشنطن سياتل وأقمت فيها فترة طويلة نسبيا، وبعد صلاة إحدى الجمع وكنت بزيي السعودي وبعد خروجي من المسجد استوقفني أمريكي ليسألني عن الإمام، ولما سألته عن حاجته قال: أريد أن أتبرع للمسلمين في البوسنة بألف دولار!! عجبت منه لأنه غير مسلم، لكنه قال لي: إن ما يشاهده من مصائب تحدث لذلك الشعب دفعه إنسانيا ليدفع لهم هذا المال .. ثم سألني: لماذا لا تقوم الدول الإسلامية بواجبها تجاه المسلمين؟! ألا يرون ما يفعل بهم؟! صعقت من هذا السؤال، وطأطأت رأسي خجلا، فماذا أقول له؟! وانصرفت. تذكرت هذه الحادثة وأنا أشاهد هذه الأيام ما يجري في ليبيا وسوريا واليمن من مشاهد مرعبة ما كنت لأصدقها لولا إنني رأيتها بأم عيني كما رآها ملايين الناس .. وسألت نفسي: لو قابلت صهيونيا وسألني: لقد كتبت مئات المقالات عما فعلناه في فلسطين ولبنان، ولم تترك وصفا سيئا إلا وصفتنا به أفلا يفوق ما تفعله بعض دولكم مع مواطنيها ما فعلناه نحن مع غير مواطنينا وهم أعداؤنا فعلا؟! ماذا سأقول له غير أن أطأطئ رأسي وانصرف .. أخبار متواترة ترد من ليبيا وما شابهها عن اغتصابات يقوم بها الجنود، أليس من المعيب أن يرتكب الجنود هذه المخازي الفظيعة؟! أين دينهم وإنسانيتهم؟! أين قيمهم وغيرتهم؟! عليّ أن أنصف الصهاينة فأقول إنهم لم يفعلوا ما فعله بعض السوريين والليبيين .. السيدة «هيلاري كلينتون» تقول: إنهم يرون الاغتصاب نوعا من الحرب!! أما القتل العشوائي فحدث عنه ولا حرج .. آلاف مؤلفة قتلوا في ليبيا، والسوريون مشوا على الطريق نفسه والأرقام المذهلة تتزايد يوما بعد آخر!!! لو سألت نفسي كم شخصا قتلته إسرائيل خلال حربها على غزة أو لبنان؟! وكم منزلا دمرت أثناء هذه الحرب؟ ثم لو طرحت السؤال بهذه الصورة: كم شخصا قتل.. وكم منزلا تهدم في ليبيا وما شابهها؟! قطعا سأشعر بالخجل الشديد من نفسي ومن عروبتي ومن أبناء قومي .. هل فعلا أصبحنا أسوأ من الصهاينة وعلى بعضنا البعض؟! كم من مرة أثبت أن الصهاينة كاذبون إذا تعلق الأمر بالفلسطينيين، لكنني والله عرفت أنهم أكثر صدقا من إعلام بعض الدول، ويعلم الله أنني أحيانا لا أستطيع الاستمرار في الاستماع إليه من هول ما أسمع وكأنهم يعتقدون أن مستميعهم بلهاء ومجانين!! يقتلون شخصا ويرى مضرجا بدمه ويقولون: أصابته نوبة قلبية!؟ ويقولون: الأهالي يستنجدون بهم وعندما يصلون يصبح هؤلاء الأهالي ما بين قتيل وهارب!؟ ويتحدثون عن عصابات مسلحة لكن هذه العصابات لا تظهر إلا مع المحتجين .. أما المتظاهرون لصالح الدولة فلا تجرؤ العصابات على الاقتراب منها! أعترف الآن أن الصهاينة أقل كذبا من هؤلاء؟! نقلا عن عكاظ