يشكِّل الإبداع الفكري بكل صوره وأنماطه، سمةً مهمةً من سمات النهضة في أي مجتمع، الذي بدوره، يقوم بتوفير حماية نظامية، وقانونية فعّالة لهؤلاء المبدعين بما يتيح لهم الاستمرار، والتواصل في مسيرة الإبداع دون خشية من العوز أو الحاجة ..! ولعل شحذ همم هؤلاء المبدعين والمبتكرين، وتشجيعهم بإطلاق عنان الخيال لديهم، يكون بالتنويه عن مخاطر اغتيال أحلامهم، ووأد فرحتهم، والحذر ممن يستغفلهم؛ حيث إن هناك علاقة طردية، بين الحماية القانونية، المتمثّلة في الملكية الفكرية، وبين الإبداع في كل المجتمعات على مرِّ العصور؛ حتى إذا ما ظهر مُدَّعٍ، يسرق أحلام المبتكرين والمبدعين؛ حيث يستأثر بإبداعاتهم، وينفرد وحيدًا فريدًا بعوائدها المادية والمعنوية، ما يؤدي إلى زهدهم في الإبداع، ومن ثمَّ توقفه عن الابتكار والعطاء؛ ليبحث عن حرفة أخرى، يرتزق منها غير الإبداع، بينما نخسر نحن والوطن، قيمة وقامة مبدعة لمستقبل الوطن.. والحقيقة، أن الحاجة إلى الملكية الفكرية، والحماية القانونية، ليست حكرًا فقط على هذا المبدع، بل هي ضرورية أيضًا إلى المستثمر الأجنبي، وسنده في بذل الوقت والجهد والمال؛ فتوفّر ضمانة قانونية للبيئة العامة لعمليات الاستثمار؛ سيما وأن النظرية الاقتصادية المعروفة، واضحة: كل مستثمر، يحصل على العائد، الذي يتناسب مع ما يبذله ويقدمه من جهد ومال في هذا الخصوص، ومن أهم عوامل جذب الاستثمار الأجنبي إلى السوق المحلية لأية دولة، هو توافر الضمانة القانونية الفعّالة، التي تؤمّن له عدم تحمُّل أية مخاطر طارئة .. وتُعدُّ الحماية القانونية، أيضًا ضمانة أساسية؛ لفتح الأسواق المحلية أمام الشركات الأجنبية المختلفة؛ ما يترتب عليه انخفاض الأسعار، وبالتالي عدم استغلال المستهلك .. ومناخ الاستثمار في المملكة، يسعى بلا شك لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية، جنبًا إلى جنب مع تشجيع الاستثمارات الوطنية، ودفع أجيال من المبدعين، والمبتكرين للاستفادة من ذلك كله في ظل مناخ اقتصادي، مفتوح، تسوده المنافسة الحرة التي لن يجني ثمارها إلا المستهلك ..! أذكر ذلك والشيء بالشيء، يذكر! بعد اطّلاعي على تجربة عربية مصرية في هذا الخصوص، حيث تم إنشاء بنك للأفكار المبتكرة في مجال الجودة والإنتاجية..، يستهدف تحقيق تطور ملحوظ؛ لتنمية النشاط الصناعي والاستفادة من جميع الآراء والخبرات المتاحة وتحويلها من أفكار على الورق إلى واقع فعلي، يسهم في تقديم حلول واقعية لزيادة القدرة التنافسية للمنشآت الصناعية. تقوم فكرة البنك، على تلقي جميع الطلبات من الأفراد والجهات والمؤسسات في قطاعات الأعمال؛ وتسجيل أية أفكار جديدة في مجال الجودة والإنتاجية، إضافة إلى حصر الأفكار الجديدة والقرارات والتوصيات التي أصدرتها المؤتمرات والندوات المرتبطة بالجودة، وتسجيلها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ لبحث كيفية وسائل الاستفادة منها. والهدف الرئيس للبنك، أن يكون بنكًا للأفكار، كالبنوك المصرفية، والتجارية .. مع الفارق في العُملة، هي الأفكار! يتم تسجيل الأفكار الجديدة بأسماء أصحابها سواء من المبدعين أم المبتكرين، أم العلماء أم الخبراء أم المتفوقين والمتميزين من شباب الخريجين .. والعمل على تسويقها لدى المنشآت الصناعية للاستفادة منها في حل مشاكل الإنتاجية وأساليب زيادة الجودة، نظير مبالغ يتفق عليها، تسدِّدها هذه المنشآت بحيث يحصل أصحاب الأفكار على جزء من هذه المبالغ طبقًا لمدى الاستفادة الفعلية من أفكارهم. ويُعد إنشاء هذا البنك خطوةً أساسية، ومهمة في مجال الجهود الرامية لزيادة الإنتاجية ورفع مستوى الجودة في مجال الصناعة والعمل علي زيادة القدرة التنافسية لأية صناعة وطنية. حيث يتم الإيداع للأفكار للحفاظ عليها، وسحبها مرة أخرى؛ للاستفادة العامة والخاصة منها وتشمل عملية التسجيل أفكاراً من توصيات المؤتمرات؛ ليقوم البنك بدراستها وتقويمها من خلال خبراء مختصين، ومستشارين من أعلى الخبرات الوطنية في مجال الجودة، ودراسة ما لم يتم تنفيذه ويكون له دور مؤثِّر على الإنتاجية والجودة؛ وكذا يقوم بدراسة كل فكرة جديدة أو توصية لتحديد أقدر وأنسب الجهات التي تقوم بتنفيذها كما يدرس المجلس الاستشاري حاجة الفكرة أو التوصية إلى التعديل أو إلى إضافة نتيجة تغير الظروف. وتتكون قاعدة المعلومات والبيانات هذه من أفكار جديدة، تسجَّل بأسماء أصحابها توفّر معلومات عن أنسب الموضوعات المرتبطة بالجودة التي تحتاج إلى مناقشات أو دراسات أخرى. ويمكن أن تكون إحدى التوصيات المهمة في حاجة إلى مزيد من المناقشات في المؤتمرات والندوات القادمة. وسيتولى المعهد بالنيابة عن أصحاب هذه الأفكار، تسويقها في الجهات المعنية المختصة وفي القطاعات الصناعية المختلفة، كما سيمنح، في الوقت نفسه، أصحابها حوافز من خدمات البنك، كما ستكون لديهم فرصة عند استثمار الفكرة للإشراف على تنفيذها؛ والحصول على عوائد مادية من مستخدميها. ولعل تسجيل هذه الأفكار الجديدة والمبدعة، بأسماء أصحابها، وتبني تطبيقها من خلال هذا البنك، يحفّز على تشجيع البحوث والابتكارات في هذا الخصوص..؛ ويتيح أيضًا التغلب على الصعوبات التي يواجهها المبتكرون والمبدعون في التنفيذ، علاوةً على أن تكون الأفكار قابلة للاستخدام من خلال صناَّع، وباحثين عن حلول لمشكلات محدَّدة وقد تكون إحدى الأفكار الموجودة حلولاً لهذه المشكلات. ما أحوجنا إلى تطبيق فكرة هذا البنك الابتكاري، الذي ينهض بقطاع الصناعة والجودة في المملكة، في ظل تصاعد القدرة التنافسية للمنشآت الصناعية الوطنية.. نقلا عن الاقتصادية السعودية