تُشكّل تعقيدات التشكُّل الاجتماعي للوطن والمواطن في منطقتنا العربيّة تحدياً ضخماً في وجه مستقبل التنمية والاستقرار السياسي والاجتماعي. وحينما لا تنجح مؤسسات الدولة الحديثة في فهم وتأطير ومن ثم تخطيط الحلول للمشكلات الحاليّة والمتوقعة لشرائح السكّان القاطنين على رقعتها الجغرافيّة فستواجه حتما جملة من التحديات الكبرى والملفات الملغومة القابلة للانفجار مع كل أزمة عارضة ومقيمة. والمؤكد اليوم أنه لم يعد هناك ملفات مدفونة لم تنتهكها قنوات "يوتيوب" أو تكشفها حمى "ويكليكس" ، كما لم يعد إعجازياً تشكُّل مجموعات وشرائح وطوائف على صفحات "فيس بوك" أو عبر قنوات فضائيّة لترفع صوتها الصاخب لإقلاق راحة متجاهليها. وتأسيساً على ذلك ينبغي أن نتوقّع وجود مستثمرين متربِّصين وراء كل ملف وطني مهمل ليرقصوا على جراح المجتمع مع كلّ محنة. وفي هذا السياق وعلى أرض دول الخليج - بشكل أكثر تحديدا- نرى في ملف الطائفيّة "والبدون" مستوى تأثير تنامي ثقافة الحقوق والمطالبات، وضعف أثر الحلول البيروقراطيّة التي تعتمد المهدئات دون وعي كامل بمدى خطورة هذه المسائل الخامدة التي تؤهلها أركانها يوما ما لتكون مصدر القلق الأمني والمهدد الرئيس للاستقرار الاجتماعي. وفي خضم الأحداث السياسيّة التي تعصف بالعالم العربي هذه الأيام مع انتشار المنابر المعبرة عن طموحات الفئات المذهبيّة والطائفيّة والمجموعات العرقيّة والأقليات يمكن أن نقول إن ملفيْ "الطائفيّة- البدون" سيكونان من أسخن الملفات الأمنيّة والسياسيّة الخليجيّة في قادم الأيام. وفي حال الطائفيّة - على سبيل المثال - فقد رأينا كيف أطلّت علينا بوجهها الكريه، وكيف حاول البعض أن يجعلها نار الفتنة الوطنيّة الموقدة في أكثر من دولة خليجيّة خاصة في البحرين التي عرفت السلام الاجتماعي لعدة عقود. ولقد شهدنا في الخليج كيف خُلطت المكوّنات المذهبيّة بالمكنونات السياسيّة على موقد الفتنة، وكيف استثمرتها السياسة الخارجيّة الإيرانيّة برائحتها الفارسيّة المأزومة من عقدة التاريخ مع الجنس العربي. ولعل في هذا ما يستدعي استنهاض همم أصحاب القرار في مؤسسات الدولة الخليجيّة كي تنظر في أولويّة بحث المسألة الطائفيّة مع القيادات الوطنيّة التي تتصدر مجالس الطائفة بحضور ومشاركة المخلصين من عقلائها وفي غياب رموز انتهازيّة لا تكف عن القفز فوق طاولات المصالح والفرص. وفي حالة ما بات يعرف بقضيّة "البدون" وهم فئة من لا يحملون جنسيات الدول القاطنين فيها فلا يمكن أن يعرف المجتمع الخليجي الهدوء، ولا يمكن أن نتوقع استدامة السلام الاجتماعي وهذه الملفات تتطاير إثارة واستغلالًا بين الدول والمنظمات خاصة وأن بعض المصادر تقدر عدد "البدون" في دول الخليج بأرقام قد تزيد أو تنقص عن ثلاثمائة الف إنسان. لا يعقل أن يظل عشرات الآلاف من هؤلاء يمارسون حياتهم على هامش الأنظمة والمجتمعات، وفي ظلال الاستثناءات واللجان، وربما يقنع هذا الوضع نسبة معينة من شيوخ الجيل الأول من فئة "البدون" الذين عاشوا حياتهم في شظف العيش والترحال ويريدون قضاء بقيّة العمر في هدوء وسكينة، ولكن الأجيال الجديدة بينهم لا تملك صبر الشيوخ وأمامها شاشات الإنترنت والفضائيات وأيدٍ خفيّة تتراقص طربا مع كل صاحب قضيّة رفع صوته بحق أو بباطل. نقلا عن الرياض