التحول في موضوع ''الوضوح والشفافية'' حصل ولا مجال للغموض المحفز والمعزز للفساد بكل أشكاله وصوره، وأمام الجميع أفرادا ومؤسسات نتيجة لهذا التحول خياران لا ثالث لهما، إما الإنكار والمضي قدما فيما كانوا عليه قبل هذا التحول وتحمل نتائج هذا الإنكار السلبية، أو الاعتراف بهذا التحول والتعامل مع هذه الحقيقة بإيجابية ذكية. هذا ما يقوله المتعاملون بتقنيات الاتصال الحديثة وبرمجياتها ومواقعها خصوصا بعد تزايد المشتركين في مواقع التواصل الاجتماعي التي مكنت أفراد المجتمعات من صناعة المحتوى الإعلامي ونشره وبثه فضلا عن استهلاكه دون عوائق أو موانع كما هو وضع الوسائل الإعلامية الأخرى، وبعد أن لعبت هذه المواقع دورا كبيرا في التغيرات السياسية في المنطقة العربية. وفي دراسة نشرتها كلية دبي للإدارة الحكومية في يناير عام 2011 أوضحت البيانات أن المشتركين العرب في الفيس بوك وصل لأكثر من 21 مليون و361 ألف في ديسمبر 2010 بعد أن كانت نحو 11 مليون و978 ألف مستخدم بزيادة قدرها 78 في المائة كمعدل نمو سنوي، وهو نمو هائل يدل على التأثير الكبير الذي تحدثه وستحدثه وسائل الإعلام الاجتماعية أو أدوات الشبكات الاجتماعية والتطبيقات المعتمدة على الإنترنت والتي تركز على بناء الشبكات الاجتماعية أو العلاقات الاجتماعية بين الناس ذوي المصالح المشتركة، حيث تتيح لهم تبادل الأفكار والمعلومات بسرعة ومصداقية. هذه التحولات بالنسبة لنا نحن معاشر الكتاب الذي نسعى إلى دعم التنمية في بلادنا عبر تحليل بعض القضايا ذات الشأن العام وتشخيصها واقتراح الحلول للتصدي لها نعاني مما يسمى المُعلِن المُستَبِد الذي يحارب الوضوح والشفافية عبر الضغط على وسائل الإعلام من خلال تهديدها بحرمانها من الإعلان أو خفض حجم إعلاناته مقارنة مع الوسائل الأخرى التي تحترم رغباته بحجب الحقائق وتعزيز الغموض على حساب الوضوح والشفافية، ولا أخفي سرا إذا قلت أننا نتجنب إحراج الصحف التي ننشر بها مقالاتنا لعدم إحراجها مع المعلنين. في نقاش سابق مع أحد كبار العاملين في الصحف المحلية حول آليات الحد من تغول المُعلِن المُستَبِد لكي نناقش نحن ككتاب قضايا المجتمع الاقتصادية بسقف حرية مرتفع قال لي إن المصدر الرئيسي لإيرادات الوسائل الإعلامية هو الإعلان وطرح أي قضايا تضر بعلاقة الوسيلة مع معلنيها هو محل رفض، إلا إذا كان ذلك في سياقات مبررة ودون وضوح، وقال لي أيضا إن مواثيق شرف طرحت بين وسائل الإعلام للتصدي للجنرال إعلان إلا أنها لم تنجح في التطبيق على أرض الواقع. واليوم وبعد ارتفاع معدلات استخدام الإعلام الاجتماعي والمتوقع له أن يصبح الوسيلة الإعلامية الأكثر استخداما ومصداقية أصبحنا نتساءل بكل صراحة ما هو مستقبل المُعلِن المُستَبِد سواء كان شركة أو جهازا حكوميا أو مؤسسة مجتمع مدني؟ هل سيصمد أمام تحديات المنافسة بعد أن تزول عنه نقاط القوة التي يتمتع بها حاليا نتيجة زوال الغموض الذي يدفع لاستمراريته ليستفيد من الفساد الإداري والمالي والعلاقات المشبوهة وغير الشرعية المحتملة. الوضوح هو ما يجعل أي أمر ظاهرا لا خفيا، معلنا لا سريا، بيّنا لا متواريا ولا محتجبا، والواضح كما يقول الكاتب إبراهيم كشت من الرأي الأردنية يقدّم نفسه بنفسه، فهو ليس مبهما ولا غامضا ولا ملتبسا، ولا يثير الحيرة ولا الشكّ والتساؤل، ولا يستعصى على الفهم، والشفافية كما يقول ذات الكاتب مصطلح جديد ظهر قبل سنوات قليلة ليعبِّر عن الوضوح كقيمة ومفهوم على مستوى المال والأعمال والاقتصاد والسياسة، ويستخدم تعبير الشفافية ليعني الإفصاح وإتاحة المجال للناس للاطلاع على المعلومات، مع الانفتاح على الجمهور والاطلاع على التغذية الراجعة منهم، وهي أمور تتيح مجالا أوسع للمحاسبة التي تغيب غالبا في ظل التكتّم والسرية والغموض، وقد أسست مؤسسات عالمية ومحلية مهمتها رعاية الشفافية، وهي تنظر إليها كأهم وسيلة للحد من الفساد ومكافحته بمختلف أنواعه. وهناك عبارات جميلة وموحية للروائي حنا مينا أوردها في روايته (الرجل الذي يكره نفسه) بقوله: (حين تصير الأشياء في الضّوء، تستنير بأشعّة الشّمس تتطهّر، أمّا عندما تظلّ في العتمة، فإنّها تتعفّن، وتنبعث منها رائحة كريهة)، وكلنا يعلم مصداقية هذه العبارات، وكلنا يعلم أن المتلاعب والغشاش والمرتشي والمتغول يخشى سطوع شمس الحقيقة لذلك يستخدم كل إمكانياته لحجبها، ومن هذه الوسائل سطوة الإنفاق الإعلاني. الوضوح والشفافية في تنام نتيجة شيوع وانتشار الإعلام الاجتماعي، وبالتالي فإن بناء بيئات تنظيمية عادلة مبنية على الوضوح والشفافية لتحفيز المنافسة، وحماية الصالح العام، وحقوق جميع الأطراف، والاستخدام الأفضل للموارد المحدودة أصبح أمرا لا مفر منه، كما أصبح على المؤسسات الحكومية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني أن تعمل وفق هذا الواقع الجديد وتنسى عصر الغموض بالضغط على الوسائل الإعلامية من خلال أي سلطة خصوصا سلطة الإنفاق الإعلاني، وإلا سوف تنكشَف وتنفضَح ويُشهَر بها مجتمعيا حتى تقف على صفيح ساخن يودي بها وبالقائمين عليها، وهو المستقبل المتوقع لكل مُعلِن مُستَبِد لا يؤمن بالتغيرات الحقيقية على أرض الواقع. ختاما أود أن أدعو رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد محمد بن عبد الله الشريف إلى توظيف كل وسائل التواصل الحديثة خصوصا وسائل الإعلام الاجتماعية لتعزيز الوضوح والشفافية لكشف كل مواطن وأسباب الفساد قبل تفاقمه وآثاره التي عادة ما تشكل سببا رئيسيا في زعزعة الاستقرار الوطني نقلا عن الاقتصادية