أجمع خبراء إعلاميون على أن الموضوعية والحياد الإعلامي ليست هدفًا بل قيمة نسعى إليها، مؤكدين خلال ندوة عقدت على هامش مهرجان الإعلام العربي السادس عشر مؤخرًا بالقاهرة تحت عنوان “واقع الإعلام الجديد.. هل سقطت الأقنعة”، مؤكدين أن للإعلام دورًا كبيرًا عند الناس، وزاد الاعتماد عليه لما له من أهميه في الحياة، وجزء هام في المجتمع، مبينين أن الأصل في الإعلام الصدق والأمانة في نقل المعلومات والأخبار بكل دقة. حيث أشار الخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز إلى أن تعدد الوسائل الإعلامية يزيل الغموض بشكل واضح عن الجمهور، مشددًا على أن الدول التي تستثمر في الإعلام لتحسين صورتها عليها أن تصبر لأن ثمار الاستثمار الإعلامي يتطلب وقتًا طويلًا، وأكد أن تنوع المنابر جعل من الصعب تحقيق الإعلام الموضوعية المطلقة، مشيرًا إلى أن الموضوعية شرط لا يمكن الاستغناء عنه، ومن آليات تحقيقها إسناد المعلومة إلى مصدرها مع ضرورة كفاءة المصادر، وفصل الخبر عن الرأي، ومراعاة مرجعية الخبر، وطالب بعدم الاندفاع للغرب والتحلي بالرشد والإيجابية في ممارستنا العربية. كما أشاد عبدالعزيز بأداء الإعلام الحكومي العربي في السنوات الأخيرة، مشيرًا إلى أنه أصبح يميل نحو الموضوعية، مدللًا على ذلك بأنه يخرج وينتقد ما يراه عبر شاشات التليفزيون الرسمي، وأوضح أن حل مشكلة الحياد تتمثل في إدارة الإعلاميين أنفسهم لوسائل الإعلام، حيث لا يمكن نزع سلطة مالك الوسيلة الإعلامية عن المحتوى الذي تقدمه. من جانبه أكد حسين أمين أستاذ الإعلام بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أن الإعلام لم يعد يتوجه إلى كتلة بشرية أو شريحة معينة بل صار محددًا وموجهًا، ومنوهًا إلى أن وسائل الإعلام تغيرت قوالبها وتشكلت عناصر جديدة فهي لم تعد ساكنة بل تتمتع بالتفاعل، وأن الصحف أصبحت تطالب قرائها بالمشاركة بالرأي. وأشار أمين إلى أن الصورة في العالم تغيرت الآن، حيث صار كل منتج إعلامي مذاعًا بالصوت والصورة، فبعد مرور 20 عاما سيختفي المؤرخ ليحل محله الإعلام المرئي، كما أصبحت المواقع الإلكترونية الخاصة مزودة بروابط لمواقع أخرى لتحقيق الاستزادة المعرفية والتراكمية للبشرية، مؤكدا أن الواقع الإعلامي المعاصر يمثل الأعمدة لإعلام مستقبلي فاعل بدوره. الإعلامي العراقي فهمي كريم شارك بقوله: إن الصحافة تعتبر في النهاية سلعة وأصبحت متنوعة حيث إنه لا يعتمد المشاهد كما كان في الماضي على قنوات محدودة، موضحًا أن المشكلة الرئيسية في الإعلام بالعالم العربي أنه ليس هناك خط فاصل بين الإعلام والحكومة. وانتقد كريم الإعلام العربي الذي يميل إلى العاطفة في تناول الأخبار والأحداث وليس قراءة أو مراعاة الواقع. من جهته قال السيد إبراهيم بلال مدير التطوير التحريري بشبكة الجزيرة: إن التشتت الحالي الذي يشهده الإعلام العربي بوجه عام يشتت المشاهد، فالولاء تحول من الولاء السياسي إلى الولاء المهني، وأكد أن الإعلام هو نتاج المجتمع بمزاياه وعيوبه كونه لا ينفصل عن الواقع المجتمعي، مشددًا على أن الإعلام لا يتحمل وحده مسؤولية إصلاح المجتمع، وأضاف أن لا أحد يستطيع إنكار وجود أجندات، موضحا أن المؤسسات الإعلامية لا تدعي أو تخلق خبرًا مدللا على ذلك باعتراض إسرائيل على بث قناة الجزيرة لصور هدم منازل فلسطينية والتي كان رد الجزيرة عليها “إذا توقفت إسرائيل عن الهدم ستتوقف الجزيرة عن بث الصور” وقال: إن “الأجندة” الإعلامية تكاد تتحقق وفق عناصر أهمها المنافسة والتكنولوجيا المتاحة والميزانية، مؤكدًا أنه يفضل إطلاق الحياد على الإعلام، وليس الموضوعية، لأن الأولى تعني الالتزام الحقيقي ببذل الجهد للخروج بمهنية إعلامية. وقال إبراهيم: إن ظهور الإعلام البديل متمثلًا في شبكة الإنترنت جاء كحركة ارتجاعية أو كرد فعل عنيف للواقع الاجتماعي الذي فرضته تكنولوجيا الاتصال بتوفير وسائل نشر بديلة تتمتع بدرجة عالية من الحرية وسهولة الاستخدام وانخفاض الكلفة، وذلك للتخلص من سيطرة النخب الإعلامية على وسائل الإعلام التقليدية في المجتمع، وغياب المصداقية في وسائل الإعلام التقليدية، وقال: إن هذه المتغيرات هي التي جعلت من شبكة الإنترنت شريكًا حقيقيًا في تصعيد الممارسة السياسية من خلال فتح نوافذ متسعة للجماعات السياسية التي لا تجد لنفسها منفذًا للتعبير عن أيديولوجيتها عبر قنوات التعبير السياسي التقليدية.