هذا الاكتشاف الذي تم خلاله تحديد جين مسؤول عن نمو وانتشار سرطان القولون والمستقيم لدى المرضى السعوديين، والتمكن من تثبيط نشاطه مخبريا، أستطيع التأكيد أنه، بعون الله، يعتبر محطة مهمة جدا في جهدنا للقضاء على مرض السرطان ككل، كما أستطيع من خلال هذا الكشف التأكيد لمرضى السرطان لدينا وخاصة سرطان القولون والمستقيم، أنه في القريب العاجل سنكشف النقاب عن اكتشافات علمية ضخمة سيكون لها، بإذن الله وتوفيقه، الأثر الكبير في الحد من هذا السرطان في المملكة، لكننا نتبع نهجا علميا عالميا ولا نعلن نتائجنا قبل توثيقها في المجلات العلمية المحكّمة والمرموقة. وأريد أن أسلط الضوء بشكل مبسط على أهم الخطوات التي بدأنا فيها لتحقيق هذا الإنجاز، حيث قمنا بإجراء مسح جيني واسع لعينات سرطانية للقولون من مرضى سعوديين ومقارنتها بعينات طبيعية من القولون والمستقيم، وقمنا باستخدام تقنية المسح الجيني لجهاز «الأفيمتركس» التي تسمح بوضع أكثر من 40 ألف جين على شريحة إلكترونية جينية صغيرة، ومقارنة نشاط هذه الجينات بين الخلية الطبيعية والخلية السرطانية، وهو ما قاد إلى تحديد جين يدعى FOXM1 برز نشاطه ودوره الفعّال في الخلايا السرطانية عن بقية الجينات الأخرى بطريقة علمية وإحصائية مثبتة عبر الجهاز. الفريق العلمي لم يكتف بهذه النتيجة، بل قمنا بنقل النتائج إلى المستوى الإكلينيكي والمخبري، وفحصنا أكثر من 450 مريضا سعوديا يعانون من سرطان القولون والمستقيم، وجدنا أن نسبة المرضى الذين يُظهرون نشاطا لهذا الجين تزيد إلى 65 في المائة، كما أن هؤلاء المرضى يعانون سرطانا يتسم بشراسة وأكثر قدرة على الانتشار إلى الأعضاء الأخرى. وفي هذا السياق، قام العلماء بدراسة هذا الجين في المختبر بشكل مفصل، وشاهدنا أن إضافة هذا الجين إلى الخلية تساعد في نموها وتكاثرها بسرعة، إضافة إلى أنه يتحكم في حزمة من الجينات الأخرى مثل MMP9 التي تساعد الخلية السرطانية على التوغل والانتشار إلى الأنسجة المجاورة للسرطان. واصل الفريق أبحاثه المستفيضة فجرى حقن خلايا سرطانية لعدد من فئران التجارب بعد تقسيمها إلى مجموعات؛ للتأكد من دور جين FOXM1 في انتشار سرطان القولون والمستقيم. وقد جرى حقن مجموعة بخلايا سرطانية أضيف لها جين FOXM1، ومجموعة فئران أخرى حُقنت بخلايا سرطانية لا تحوي هذا الجين، ولوحظ أن الورم السرطاني في المجموعة التي تحتوي على جين FOXM1 ينمو بسرعة قياسية وينتشر في فترة زمنية قصيرة جدا مقارنة بالمجموعة الأخرى ما يُثبت بالفعل دور هذا الجين في شراسة السرطان لدى المرضى السعوديين المصابين بالمرض. ولله الحمد والمنة؛ فقد تمكن الفريق البحثي أخيرا من تثبيط نشاط هذا الجين مخبريا عن طريق استخدام مادة كيميائية مقاربة لأحد المضادات الحيوية تُدعى «ثايوستربتون»، ولاحظنا توقف نشاط هذا الجين بعد استخدام هذه المادة، وفقدت الخلية قدرتها على النمو والتكاثر. وبالتالي توصل الفريق إلى أن جين FOXM1 قد يكون هدفا علاجيا للقضاء على سرطان القولون والمستقيم، ومن الممكن تطوير المادة المثبطة لهذا الجين بأن تصبح علاجا فعالا لأنواع سرطان القولون الشرسة في السعودية. هذه النتيجة مبشرة جدا وتعتبر واعدة ويمكن البناء عليها، وهي أمل قوي للمرضى، ولعلها تكون فاتحة لما هو أكبر، بإذن لله. الخطوة التالية كانت نشر هذه النتائج مباشرة في المجلة الأمريكية لعلم الأمراض، وتم اختيار صورة المسح الجيني الذي قام به العلماء لتكون صورة الغلاف لعددها الصادر في شباط فبراير الماضي. هذا الكشف العلمي وجد إشادة دولية واهتماما بأهمية نتائج هذا البحث، وعرض في Service The Target Intelligence، وهي قاعدة معلوماتية دوائية عالمية تُعنى بضم آخر النتائج الطبية والتي قد يكون لها تأثير في اكتشاف أدوية جديدة. لم تكن تساورني أي لحظات تردد أننا في الطريق الصحيح، بعون الله، لمحاربة الأورام بأنواعها كافة، وأنا متأكدة أن اليوم الذي سنتمكن فيه من القضاء على السرطان بات وشيكا، وأعتقد أن عمر هذا الورم بدأ في التناقص، ولن يبقى أكثر بهذا الشكل المؤذي والشرس في إيذاء البشرية، وأعتقد أن الإنسانية مقبلة على انتصار جديد، لكن هذه المرة سيكون ضد واحد من أكثر الأمراض فتكا وشراسة بحق الإنسان وهو السرطان، وإن كان البعض يعتبر الإنجازات والاكتشافات في هذا الحقل بطيئة وشحيحة، لكن من وجهة نظري أعتبرها ذات قيمة علمية وذات فائدة عظيمة ستصب في نهاية المطاف لصالح الجهود الدولية للقضاء على هذا المرض. لقد وضعنا أيدينا على هذا الجين، وهو ما يعد نافذة ونورا في آخر النفق سنسلكه، وبقليل من الصبر والتأني سنضع أيدينا على جينات أخرى أقوى ستدمر الخلية السرطانية وتلجم انتشارها في جسد المريض، وبالتالي التعافي منه. أنا والفريق العلمي والبحثي نستمد قوتنا من الله ومساعدته لنا، وبدعواتكم سنحقق ما نطمح ونسعى له. نقلا عن الاقتصادية