قبل أيام بثّت إحدى الفضائيات العربية تقريرًا مصوّرًا يحذّر من اندلاع أزمة غذائية قد تتطور إلى (مجاعة) تجتاح مصر الحبيبة. وفي نهاية التقرير أبدى المعدُّ (تخوّفه) من ممارسة السلب والنهب حتى من قِبل (الشرفاء) بهدف الحفاظ على البقاء! ما تجاهل التقرير الإشارة إليه، هو أن الشعب المصري الذي واجه مختلف أشكال المحن، وقام بشتى أنواع البطولات، وحافظ على وحدته الوطنية، وتماسكه الاجتماعي، وأعطى الأمثلة الحيّة للقدرة على التنظيم، وقدم النماذج المضيئة للإيثار خلال كل اللحظات الحرجة في تاريخه الطويل، لا يمكن أن يتحوّل إلى عصابة من اللصوص وقطّاع الطرق. الشعب المصري الذي كان أول من عرف الحضارة، لا يمكن أن يتحول إلى قطيع من الرعاع والأوباش الذين يتقاتلون من أجل لقمة خبز. مصر والمصريون الذين كانوا أول من عرف شكل الحياة ضمن مجتمع منظم، بإمكانهم اجتياز أصعب الفترات، وأحلك الظروف بفضل وعيهم الوطني، وذاكرتهم النضالية، وتاريخهم الذي ليس له نظير، في مواجهة الأزمات الكبرى. مصر والمصريون الذين ينتمون إلى أعرق حضارة عرفتها البشرية، ليسوا عاجزين عن توفير الخبز، وليسوا عاجزين عن التعاون من أجل العبور إلى غدٍ آمن. وكل مَن يعتقد بعدم قدرة المصريين على إدارة أزماتهم، والسيطرة عليها، والخروج منها بأقل الأضرار الممكنة، لم يقرأ صفحة واحدة من صفحات التاريخ. مصر التي دحرت بونابرت، وأسرت لويس التاسع، وأوقفت زحف المغول، وحطّمت خط بارليف، هي أكثر وعيًا وإرادةً وخبرةً وقدرةً على تدبّر أمر الخبز، وتأمينه لكل المواطنين دون الحاجة إلى أن يتدافع الناس إلى قتل بعضهم البعض، بهدف الحفاظ على البقاء. الشعب المصري الذي اختبر الحصار في مدينة السويس، وتقاسم اللقمة مع أبطال المقاومة الشعبية، أكبر وأعظم وأنبل من أن يتحوّل إلى شعب تقوده الغرائز، والدوافع السلوكية البدائية. نعم.. الشعب المصري بالمجمل شعب فقير، وهو بالإضافة إلى ذلك شعب صبور، ومعروف بالقدرة على التحمّل، لكن هذا لا يعني أبدًا أن الشعب المصري هو مجموعة من الجوعى، أو العبيد الذين لا يحركهم سوى رغيف الخبز، ولا يقيمون لكرامتهم وزناً أو اعتبارًا. لا تخافوا على (المحروسة)، فهي محروسة بعيون وسواعد أبنائها وبناتها. نقلا عن المدينة