هتف الشعب العربي التونسي قبل ثلاثة وعشرين عاما للرئيس بن على..!! , ذلك الشاب الذي تولى وزارة الداخلية آن ذاك والذي تظلل بظل الحبيب بورقيبة لفترة طويلة حتى فاز بالانتخابات الرئاسية حينها و تولى رئاسة الجمهورية , خرج الشعب وقتها في مسيرات تأييد و دعم للرئيس الجديد ورفعوا الإعلام وهتفوا أياما طويلة وقالوا ما قالوا من عبارات وأناشيد وطنية . و سارت حياة التونسيين كحياة الشعوب التي نالت استقلالها من جديد تسعي لان يملئ الحب و العدل والسلام ربوع بلادهم وتزدهر حياة الفرد بإطلاق كافة الحريات لتنمو البلاد نموا يستطيع معه الفرد أن يعيش حياة مليئة بالكرامة والعدل والمساواة , إلا أن الأمور لم تكن كذلك كما أعلن الشعب التونسي اليوم من خلال الاحتجاجات التي انتشرت بالشوارع و وصلت إلى حد المواجهة مع شرطة مكافحة الشغب ,وسقط خلالها العديد من الشهداء الأبرياء , وهتف المتظاهرين اليوم ضد حكم بن على, ونشدوا بأن "إذا الشعب يوما أراد الحياة... فلا بد أن يستجيب القدر" و كان هتافهم باسم الشعب حسب ما ظهر حتى الآن وطالبوا بالحريات كاملة وتصاعدت وتيرة الاحتجاجات بتصاعد درجة القمع حتى أصبحت السلوك اليومي لحياة الملايين من الشعب التونسي حتى وصلت انتفاضة الحرية كل شارع وزقاق وحارة وكل بيت مما دفع الجيش للتضامن مع أبناء شعبه وحاول حماية مسيرتهم ومطالبهم . إن حالة الشعور بالظلم كانت عامة , فقد شعر الجميع أنهم سواسية في الفقر و سواسية في الإحباط العام لان الرئيس وحاشيته ومن يدور في فلكه يملكون كل شيء ويتقاسمون الحرية و الثروة والوظائف بالبلاد , والفتات يرمي للشعب دون حتى التعبير عن حالة الحزن التي تنتاب الشعب عند تناول هذا الفتات, كان هذا لا يعرفه الكثير من دعاة الحرية والديمقراطية من الشعوب العربية ولا حتى أي من المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال , إلى عهد قريب لا يعرف الكثير من أبناء الأمة العربية الكثير عن الحريات بالبلد الذي اخرج رئيسه من الحكم بثورة لا تعتبر دامية حتى اللحظة ,فقد عرفت شعوب العالم هذا بعد أن وحد الشعب التونسي حريته وتحدث أمام الإعلام علانية وعرف العالم قصة هذا الشعب المكبوت وحرياته الضائعة . إن ما يحدث في تونس اليوم من ضياع لكثير من مقدرات البلد أصبح شيئا أخر غير الثورة من اجل الحرية والاستقلال والاضطهاد والحرمان والتمييز والقمع الفكري والسياسي , فقد بدأ تخريب مؤسسات البلاد يصبح كالعدوى بعد الانفلات الأمني الذي أعقب خروج زين العابدين بن على من البلاد و أسرته وترك بذلك تونس دون عودة على الأقل خلال السنوات القادمة , فقد دمر الشعب التونسي العديد من المؤسسات التجارية ونهبها بدلا من تأميمها واعتماد منفعتها للشعب ,واحرق المراكز الأمنية ومحطات الشرطة والسجون مما أدي إلى سقوط المزيد من الأبرياء بين قتيل وجريح وهذا لا يعقل لأن أصحاب ثورة مخملية بيضاء أطاحت برئيس و نظام ديكتاتوري أن تعاقب أبناء جلدتها بهذا الحجم من الغضب الغير مبرر لان الانتقام الآن أصبح من الذات و هذا حرف و ابتعاد عن الهدف الحقيقي لمسيرة الشعب التونسي . قد يكون هذا درسا جيدا لكل الحكام الذين لا يتذكرون حريات الشعب ولا الشعب ذاته إلا عندما يحتاجونهم بالانتخابات وفي الغالب يدفعونهم للانتخاب تحت تهديد أجهزتهم الاستخباراتية وحصار حياتهم المدنية وكبت حرياتهم الشرعية, وقد يكون هذا درسا من نوع أخر لبعض الحكام ممن لم تشبعهم ديكتاتوريتهم وانتقامهم من الشعب بعد ,بأن يزيدوا من درجة قمع الشعب ومراقبة تحركات أفراده و أحزابه ومنعها من العمل بحرية بمساواة الحزب الحاكم بل و تعمل على تقنين حرية التعبير و حرية الإعلام وهذا في الغالب لا يكون في صالح الحكام أنفسهم ولا مستقبلهم في الحكم , و قد يكون هذا درسا جيدا للشعوب أن لا يصمتوا كثيرا على مصادرة حرياتهم وحقوقهم المدينة للدرجة التي تستفحل فيها الحالة لتصل إلى حد الثورة و تدمير مقدرات البلاد . إن الانفجار الشعبي الذي حدث بتونس ينذر بحركة تغير بالعالم العربي لان و قد يستغل التغير هذا لصالح أحدا ما غير العرب وغير الشعوب الثائرة لان الثورات غالبا ما تتفجر صادقة ثم يتم استغلالها بعد ذلك وتخرج عن أهدافها السامية لان الاستعمار ورائها بالمرصاد , فهو لن يتركها تترعرع و تثمر خوفا على مصالحة و خوفا على سياسته , وهنا لابد للشعب التونسي أن يعرف ماذا تعني ثورته ,وإلى أين يصل بها, وما الفرق بين الثورة من اجل الحرية والتخريب ,ويبدأ في حماية ذاته بذاته مستعينا بالجيش التونسي وقوات الحرس الوطني والشرطة وأن يعفو بقدر المستطاع ,وأن يدرك أن الانتقام من أتباع النظام السابق ومؤسساته بهذه الطريقة لا تصب في صالح الشعب لان القانون يجب أن يحترم وبالتالي يقدم كل من استخدم الشعب لأغراض الحكم واستغل ثروات الشعب لصالحة وكبت حريات الشعب زمنا طويلا لمحاكمة عادلة وعلنية , ليشعر الشعب على الأقل بنصرة وبانجازه الوطني و يتمتع بالانجاز الذي حققه لنفسه . [email protected] خاص بالوكاد