تقابلت مع مراسلة فرنسية في أول زيارة لها إلى المملكة العربية السعودية، وحكت لي بعد ساعة من اللقاء عن موقف مرَّ بها بالتحديد في مدينة الرياض، فقد كانت في أحد الفنادق وأرادت سحب مبلغ من الصراف، فسألت موظف الاستقبال في الفندق عن مكان وجود صراف، فدلَّها على صراف على بعد دقيقة واحدة من الفندق، وكانت مرتدية العباءة احتراماً لتقاليدنا، كما وضعت الغطاء على رأسها، فبدأت بالمشي تجاه الصراف، وإذا بسيارة فيها شباب تقترب منها، وينعتونها بكلمة بذيئة أخجل أن أذكرها. لأن هذه السيدة تفهم المصطلحات العربية والعامية، كونها عاشت في مدينة عربية لمدة 14 عاماً، لم تعرف السيدة الفرنسية أترجع إلى الفندق أو تستمر في السير إلى الصراف..؟! فأسرعت الخطى، ومع أنها كانت في قمة الحماس لزيارة هذا البلد، لكن الموقف هذا فعلاً سبب لها ذكرى لن تنساها. وقد رجع بي الزمن إلى أكثر من عقد مضى أيام الثانوية، وأنا وصديقتي في طريقنا إلى المنزل، وسيارة تلحقنا لدرجة أنها كسرت علينا وسدَّت الشارع، وخرج الشاب وهو يصوب مسدساً علينا آمراً أن نأخذ منه «الرقم» (وطبعا كان هذا قبل البلوتوث). وإنه لتحزنني تصرفات كهذه، وأنها مستمرة حتى الآن، وأنه إذا اضطرت أي امرأة أن تمشي في الشارع لأي سبب من الأسباب، فإنها لن تسلم من المعاكسات والمضايقات من شباب يدفع بهم جهلهم وظنهم السيئ أن هذه المرأة تستحق المضايقة. وفي رأيي أنه كما بدأنا كمجتمع نضع العقوبات والغرامات لتعليم الانضباط ولتوجيه المجتمع، كالغرامة على تغيير حجز «السعودية»، وغرامة عدم استخدام حزام الأمان، وغرامة استخدام الجوال وقت القيادة، وغرامة رمي النفايات في الشوارع، فأنا أطالب المسؤولين الأخذ أيضا بالتجربة الخليجية، وبالتحديد التجربة الإماراتية بإنزال العقوبات على الشباب المستهتر الذي يسيء إلى المرأة، فهم في دولة الإمارات إن ثبتت الأدلة، يُشنّع بهؤلاء الشباب ويُشهّر بهم في الصحف، وتصل بهم الغرامة إلى 5000 درهم، بل وإن أعاد الشاب «مخالفة» تجاه امرأة بعد تعهد، فإنها تصل إلى السجن، وهذا حسب درجة «الموقف». لأن في هذا ردعاً للآخرين وتربية لهذه الفئة من المجتمع، ولذلك نحن كسعوديات نادراً ما نصادف أي إساءة من الشباب الخليجيين أو الإماراتيين، مع كثرة تردد الكثيرات منا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. ولكن ما هي الأسباب التي تؤدي بهؤلاء الشباب إلى عدم احترام المرأة..؟! هل هو الفراغ..؟! هل هو إحساسهم بالاضطهاد لأنهم ممنوعون من دخول المحلات التجارية الخاصة بالعائلات..؟! أعتقد أننا يجب أن نضع لهم ميزانا، فنعطيهم الأمل والثقة، ونشعرهم بالمسؤولية بشكل عام. ولكن في نفس الوقت لابد من تدخل الدولة لتتصدى لأفعال هؤلاء الشباب، حيث خرجوا من سيطرة البيت والمدرسة، وأساءوا إلى ديننا ومجتمعنا، لقد شرف الله هذه الدولة ببيت الله الحرام ومسجده النبوي الشريف، فعلى مستوى محلي، لنأخذ على عاتقنا كشعب هذه المسؤولية، وليكن شبابنا شباباً شهماء قياديين يقودون بهذا الشرف والتكريم، وعلى مستوى دولي فلنتصدَّ للصورة السيئة في الإعلام الغربي لنا كمجتمع سعودي، ولنحسن التعامل مع الزائرات والمقيمات عندنا في المملكة العربية السعودية. نقلا عن المدينة