سؤال الأخلاق هو السؤال الذي يحدد طبيعة العلاقة مع الآخرين ومبدأها ومعناها. أي أنه السؤال الذي تترتب على إجابته المبادئ والقوانين التي تحكم علاقة الإنسان بغيره. وبالتالي فهو سؤال أساسي ومبدئي على مستوى تربوي واجتماعي بل على مستوى وطني أيضا وهذا ما حدا بمعد مقرر التربية الوطنية للصف الخامس الابتدائي (بنين) لوضع موضوع علاقة الطالب مع غيره كأحد موضوعات التربية الوطنية. سؤال الأخلاق لدينا سؤال يستحق أن يحظى باهتمام مفارق باعتبار أن لدينا مشكلة في العلاقة مع الآخرين تتزايد مع تزايد انفتاح المجتمع على المجتمعات الأخرى وتنوع المجتمع في نسيجه الداخلي الأساسي. ويمكن لنا القول إنه لا يتحقق أمان اجتماعي دون منظومة أخلاقية قادرة على توفير نمط من التعامل بين الأفراد والجماعات يشعرهم بالأمان والانتماء.كما أنه لن تتوافر بيئة مناسبة لتوفير وحفظ حقوق الإنسان إلا بناء على منظومة أخلاقية تستطيع أن تجعل من الضمير والوعي الفردي متأسسا على نمط عادل من العلاقة مع الآخر. من هنا يأتي البحث عن مبدأ تُبنى عليه الأخلاق. أي منطلق أول تحال إليه مبررات الفعل الأخلاقي وأهم صفة في هذا المبدأ هو أن يحقق العدالة والمساواة وأن يكون محتكما إلى مبدأ مشترك عام لا فردي بحيث لا يصبح عرضة للحسابات الفردية المصلحية الخاصة. فمثلا فلنأخذ هذا المبدأ الأخلاقي: أنا أصدق مع الآخرين لأن هذا الفعل نافع لي. هذا المبدأ لا يعتبر مبدأ أخلاقيا باعتبار أنه يحيل إلى مصلحة خاصة وحسبة شخصية ويجعل من صدقي مع الآخر نتيجة لحبي لذاتي لا أكثر. وبالتالي فمن السهل على الفرد أن يحوّل المبدأ السابق إلى المبدأ التالي: أنا أكذب على الآخر لأن هذا الفعل نافع لي. باعتبار أن الهدف في كلا المبدأين هو تحقيق المنفعة. تحدث المقرر الدراسي للصف الخامس في الصفحة 85 عن العلاقة التي يجب أن تقوم بين الطالب والخدم والسائقين وهذه قضية مهمة باعتبار أننا ندرك أن علاقتنا كمواطنين مع هذه الفئة من الناس تعاني من أزمة جوهرية وربما هذا ما حدا أيضا بواضع المنهج للتركيز على هذه القضية تحديدا. تصميم المقرر قام على إعطاء توجيهات وقيم لضبط هذه العلاقة مستعينا بشواهد دينية في الغالب إلا أنه وضع في الصفحة 85 ما يمكن أن يعتبر المبدأ الأخلاقي للتعامل مع الخدم والسائقين. يقول: "ظلم السائق والخادمة بأي صورة من الصور كعدم إعطائهم حقوقهم، أو عدم احترامهم، أو معاملتهم المعاملة السيئة، قد تكون له نتائج لا تحمد عقباها على الأسرة". تجيب هذه الفقرة على السؤال الذي ربما تولّد في عقل الطالب عن: لماذا نحترم السائق والخادمة ونعطيهم حقوقهم؟ ما الذي يدفعني لهذا السلوك؟ وتأتي إجابة واضع المقرر لتقول لتجيب لأن هذا من مصلحة أسرتك. أي لأن هذا السلوك من مصلحتك أنت. وهنا لدينا مشاكل كثيرة مع هذا التأسيس للفعل الأخلاقي. أول هذه المشاكل أن هذا المبدأ يحيل الفرد إلى حسبته الذاتية المحتملة بدلا من مبدأ متعالٍ يتجاوز حساباته الشخصية. أي أن هذا المبدأ ربط السلوك العادل مع الآخر بالمنفعة الذاتية والتي يمكن أن يتلاعب فيها الفرد كما يشاء أي أنه متى اقتنع أن أذاه للسائق أو الخادمة لن يطال أسرته فهو في حلّ من القانون الأخلاقي. القانون كما وضعه المؤلف يفتح الباب مجالا لأخلاقيات متفاوتة ومتناقضة وهذا ما يمكن ملاحظته بسهولة لدينا. هناك منظومة للذات وأخرى للآخر ، واحدة للقريب وأخرى للبعيد، أخلاقيات للمشابه وأخرى مناقضة للمختلف. هذا الدرس لن يسعف كثيرا في حل أزمة أبنائنا وبناتنا مع الآخرين المحيطين بهم فلا تزال العلاقة مصلحية أكثر من أن تكون إنسانية عامة. حتى إن واضع المقرر لم يجزم بوقوع الضرر على الأسرة بسبب الظلم بل جعله احتمالا فاتحا بابا كبيرا لكسر هذا القانون الأخلاقي. ثاني الإشكالات مع هذا القانون، هو أنه قانون أناني يغيب عنه الآخر. الحسبة في القانون لا يحضر فيها الآخر كإنسان مستقل يكتسب حقوقا ثابتة وراسخة بل يحضر كأداة نافعة تستحق منا الاحترام وحفظ الحق لأنها نافعة في الأساس. منطق الأخلاق الذي يغيب عنه الآخر كطرف أساسي وثابت يبقى قانونا متأرجحا لا يساعد حامله على رؤية الآخر، على معرفته، على معرفته كإنسان مستقل له من الحقوق ما هو ثابت سواء كان نافعا لي أو ضارا أو محايدا بعيدا عن سياقي الخاص. الإشكال الثالث، يكمن في غياب البعد القانوني الخاص في العلاقة بين صاحب العمل والعامل. وهذا إشكال عميق في علاقتنا مع العاملين معنا خصوصا في المنازل. أغلب الأسر لا تعلم أن هناك عقدا قانونيا يضبط العلاقة الخاصة بين صاحب العمل والعامل. العقد لدينا لا يتجاوز ورقة يتم توقيعها بدون حتى قراءة. المقرر هنا لا يعالج الإشكالية بقدر ما يعززها رغم أن الدرس يعتبر فرصة ثمينة لإدراج البعد القانوني في هذه العلاقة بين الطالب والعاملين معه في المنزل. البعد القانوني هو بعد خارج عن الذات ويحتكم لاتفاق بين الطرفين وبالتالي فهو صالح ابتداء ليبنى عليه تصور أخلاقي للعلاقة بين الطرفين. ماذا لو قيل للطالب إنه يجب حفظ حقوق العاملين معك في المنزل لأنهم أولا بشر وللبشر مهما كان عرقهم أو دينهم أو جنسهم حقوق أساسية لا يستطيع أحد سلبهم إياها. لهم حق العدالة والمساواة والحرية. ثانيا يجب حفظ حقوق العاملين لأن بيننا وبينهم عقدا ملزما خاصا يضيف إلى الحقوق الإنسانية حقوقا إضافية تتعلق بطبيعة العمل وطبيعة مقابل هذا العمل. هنا سيتحقق للطالب أساس أخلاقي شامل لكل البشر هذا الأساس لا يخضع لحسبة شخصية بل يخضع لمبدأ عام متعالٍ يحد من مبررات الازدواج والتناقض. كما أنه يحمل بعدا قانونيا يساعد على تشكيل وعي بالأبعاد القانونية التي غالبا ما تغيب حين يتم التفكير في العلاقة مع الآخرين. أتمنى أن يحظى هذا المقترح أيضا بالتحليل والنقد. نقلا عن الوطن السعودية