يُعد الفن في كلياته واحداً من أهم ما خلدته الحضارات البشرية القديمة على وجه الأرض، وقد كان للفنون دور كبير في تطوير الإنسان عبر مختلف الحقب التاريخية. وقد تولدت بعض الابتكارات والاختراعات والاكتشافات الكبيرة التي يسرت وسهلت حياة الإنسان من رحم معاناة بعض الفنانين، ولا غرو فإن الفنون هي أحد أهم المعايير التي تُقاس بها حضارة الشعوب ومدى تطورها وتقدمها وازدهارها. وقد تم تقسيم الفنون قديماً إلى سبعة أنواع ، بيد أنه قد أُعيد تقسيمها في العصر الحديث إلى ثلاثة أقسام تتمثل في الفنون التشكيلية مثل الرسم والتصوير والخط والهندسة وفن العمارة والنحت والفنون التطبيقية وغيرها، والقسم الثاني يشمل الفن الصوتي مثل الموسيقى والغناء والسينما والمسرح والشعر والحكايات وغيرها، في حين يشمل القسم الثالث الفن الحركي مثل السيرك والرقص والألعاب البهلوانية وبعض الرياضات وغيرها. وتمثل الفنون اللبنة الأساسية المهمة اللازمة لبناء وعي الشعوب وتثقيفها وتعليمها، نظراً لما تتناوله النصوص والأعمال الفنية من مضامين يسعى مؤلفوها إلى الوصول لعملية تمثل وتقمص الجمهور والمتلقين لتلك المضامين الجوهرية التي قد تكون تربوية أو ثقافية أو توعوية تستهدف بعض شرائح المجتمع بغرض إحداث النقلة والتأثير المطلوب منها. كما أن الفن يساهم بدور فاعل وكبير في عملية حشد المجتمع حول القضايا والهموم والتطلعات الوطنية الكبيرة، خاصة أوقات الأزمات والتحديات الكبيرة، حيث تستهدف الأعمال الفنية كافة الأعمار والمستويات المجتمعية لشحذ الهمم وحفز الطاقات الوطنية للإسهام في عملية البناء والتنمية وزيادة معدلات الإنتاج والإنتاجية من خلال تنمية الحس والذوق الفني الذي يقوم بترقية الخيال الإيجابي لدى العمال والمنتجين ويدفعهم لإنجاز وإتقان المهام المنوطة بهم على الوجه السليم. إن المملكة حريصة على إعداد وصناعة جيل مبدع استثنائي متسلح بمواهب وأفكار متفردة، وذلك من واقع قناعات الدولة بأهمية الاسثمار في هذه المواهب الفنية باعتبارها ثروة مستقبلية للمجتمع والوطن برمته. لذا فإن رؤية 2030 قد أخرجت الثقافة والفن من دائرة التهميش والتجاهل وتقزيم الدور إلى رحاب واسعة للإسهام الوطني من واقع إيمانها بأن الثقافة والفن هما أحد الروافد الأساسية التي لا غنى عنها في عملية بناء الإنسان القادر على المشاركة والعطاء في عملية التنمية والبناء في إطار مسيرة التحول الوطني الكبيرة. بقي أن أشير إلى أهمية دعم وتشجيع المواهب الفنية عبر مساعدتهم على تحديد أهدافهم بدقة، حيث يحبذ أن ترتبط الأهداف برغبات الموهوب لتكون ذات معنى ومغزى، كما يجب أن تكون تلك الأهداف قصيرة وقابلة للقياس حتى يتراكم الدافع في نفوس تلك العناصر الفنية الموهوبة ويحفزها لتحقيق أهدافها. كما يجب العمل على إبراز إبداعات أولئك الموهوبين فنياً سواء من خلال وسائط الإعلام والمواقع الإلكترونية وغيرها، بجانب إقامة معارض مختلفة لعرض ابتكاراتهم واختراعاتهم، فضلاً عن تفعيل دور القطاع الخاص ومنشآته في برامج رعاية ودعم المواهب الفنية وتوفير التمويل اللازم لتمكينهم من تنفيذ مشاريعهم الفنية وتمكين المجتمع من الإلمام بها، وإنشاء أكاديميات أو معاهد أو مدارس خاصة برعاية وتطوير مشاريعهم الفنية، بجانب ترسيخ الثقافة الحقوقية للمواهب الفنية منذ شهادات الأعمال وحفظ حقوقهم الفنية وتوضيح ما لهم وما عليهم في كافة نشاطاتهم الفنية، مع أهمية توفير الكفاءات والخبرات المميزة للقيام بتدريب ورعاية الموهوبين فنياً وإشراكهم في الأنشطة الفنية المختلفة وابتكار البرامج والمسابقات التي تخلق روح التنافس وزرع الثقة بالنفس والجرأة في نفوس أولئك الموهوبين لإبراز ما لديهم من مواهب، هذا إلى جانب الكثير من الخطوات التشجيعية والتحفيزية التي يمكن تقديمها للمواهب الفنية، بيد أن المقام لا يسمح بسردها جميعاً. ومما لا شك فيه أن كل تلك الخطوات الهادفة لتنمية الثقافة الفنية ورعاية تلك الشريحة الموهوبة، تفضي في نهاياتها إلى استنباط معارف وفوائد جمة، لا سيما أنها تأتي في إطار مرحلة التحول الكبرى التي تشهدها المملكة صوب مجتمع واقتصاد المعرفة بأدواره الفاعلة المنشودة في عملية البناء والتنمية الوطنية الشاملة. د. جوهر بنت عبد العزيز النهاري كاتبة سعودية