قال باحث فلسطيني أن فاطمة محمد برناوي هي من أوائل الفلسطينيات اللواتي خضن العمل الفدائي المسلح منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، التي فجرَّت شرارتها الأولى حركة "فتح" في الأول من كانون ثاني (يناير) عام 1965، مشيراً إلى أنها كذلك أول فتاة فلسطينية يتم اعتقالها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، إذ أنها أول أسيرة تُسجل رسمياً في سجلات الحركة النسوية الأسيرة في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة. وذكر الباحث في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة في تقرير وصل نسخة عنه، أن برناوي "مناضلة استحقت إعجابنا واستحوذت على اهتمامنا وأسيرة نالت احترامنا، ومحررة حظيت بتقديرنا وامرأة وجب تكريمها، وتجربة تستدعي توثيقها". وأضاف: "لكنها وللأسف الأسيرة الأقل اهتماماً من قبل المؤسسات المعنية بالأسرى، والمحررة الأقل حضوراً في وسائل الإعلام المختلفة، والمرأة المناضلة الأقل اهتماماً من قبل المؤسسات الرسمية والشعبية". وفاطمة برناوي من مواليد مدينة القدس عام 1939 وتنحدر من عائلة مناضلة تفخر بتاريخها، وانتمت لفلسطين الوطن والقضية قبل أن تنتمي لحركة "فتح" وللثورة المسلحة، وقبل أن تؤسر ويزج بها في غياهب السجون. كما اعتقلت والدتها وشقيقتها في أعقاب تنفيذها للعملية الفدائية، لتمضي الأولى مدة شهر في السجن، فيما شقيقتها أمضت سنة كاملة في سجون الاحتلال، وذقن آلام القيد ومرارة السجان بجانب آلام الفراق والحرمان.
وأوضح فروانة أن برناوي اعتقلت في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1967 بعد وضعها قنبلة في سينما "صهيون" في مدينة القدس، وحكم عليها آنذاك بالسجن المؤبد (مدى الحياة)، لكنها لم تمضِ في الأسر سوى عشر سنوات ونيف، وأطلق سراحها في الحادي عشر من تشرين ثاني (نوفمبر) عام 1977 ، كإجراء وصفته إدارة السجون آنذاك بأنه بادرة "حسن نية " تجاه مصر، قبيل زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات للقدس. وأشار إلى أنها أبعدت إلى خارج الوطن لتواصل نضالها ضمن صفوف حركة "فتح" وقواتها المسلحة، وتزوجت الأسير المحرر فوزي نمر، وهو من مدينة عكا، بعد تحرره في إطار صفقة التبادل التي جرت في مايو (آيار) عام 1985 بين الجبهة الشعبية – القيادة العامة وإسرائيل، لافتاً إلى أنها بعد اتفاقية "أوسلو" كانت المؤسس للشرطة النسائية الفلسطينية بعد عودتها للوطن وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994. واعتبر فروانة الأسيرة المحررة برناوي جزءاً أصيلاً من الحركة الوطنية الأسيرة، تتشابك في تجربتها مع مجمل التجربة الجماعية للحركة الأسيرة، "لكنها اكتسبت ما ميزها من صفات رغم خصوصيتها، ورغم قسوة الظروف وقساوة السجان وشدة الألم والمعاناة، وتعدد أشكال التعذيب الجسدية والنفسية، وتنوع أشكال الإهانة والمعاملة الاإنسانية والتحرشات الجنسية واللفظية". وأكد أنها بالرغم من كل ما تعرضت له، إلا أنها استطاعت الصمود في وجه السجان وأدواته القمعية بإرادة قوية، وتحدت ظروف السجن وقساوتها بعزيمة لا تلين، وخاضت مواجهات عدة خلف القضبان منذ بداية تجربتها الإعتقالية من أجل انتزاع حقوقها الأساسية، وللدفاع عن مبادئها ووجودها الإنساني، وقدمت تضحيات جسام لحماية شرفها وكرامتها. وقال: "حافظت فاطمة على كبريائها ووجودها وصانت كرامتها، وسجلت تجارب رائعة بصمودها ورسمت صورا مدهشة، وخطت فصولاً من والصمود والتضحية والمواقف المشرفة شكلّت بمجموعها تاريخاً ساطعاً وعريقاً". وأضاف: "فاطمة تحمل بداخلها من التجارب ما يستحق التوثيق وما نحن بحاجة إليه، ويروي لسانها قصص وروايات تحكي تاريخاً ومواقف مشرفة للحركة النسوية الأسيرة، ويردد لسانها أسماء أسيرات اعتقلن في الزمن الجميل من المقاومة ومن كافة الفصائل لم ينلن ولو جزءا يسيرا من حقوقهن". وعبر الباحث الفلسطيني عن خشيته من رحيل برناوي وحرمان التاريخ من معلوماتها الكثيرة علن الحركة الأسيرة، خصوصاً وان حالتها الصحية تتدهور يوما بعد يوم، وذاكرتها تتراجع مع مرور الشهور والسنوات، ولم تعد تتسع لمجمل تلك الأحداث، متسائلاً: "هل سننجح في تحرير ما تبقى في ذاكرتها من أحداث وتجارب، أم سيُدفن معها حين ما يشاء القدر ويأتي أجلها؟". وبين أن المحررة برناوي "تجسد حكاية الحركة النسوية الأسيرة وتاريخها المشرفة، وحكاية المرأة التي حملت الهم الوطني مثلها مثل الرجل، ولم تردعها التقاليد والعادات الاجتماعية ولا إجراءات الاحتلال وأدواته القمعية، كما أنها حكاية الأسيرة الصامدة رغم قهر الظروف وقسوة السجان، ومعاناة الأم التي أنجبت خلف القضبان، أو تلك التي تركت أولادها صغار ورضَّع. وقال: "هي حكاية الطفلة البريئة والطالبة المكبلة بالأصفاد التي حرمت من مواصلة تعليمها الأساسي أو استكمال تعليمها الأكاديمي، وحكاية المناضلة التي تحدت السجان وشاركت بفاعلية في الإضرابات عن الطعام، وحكاية مئات الأسيرات المحررات اللواتي يعانين أمراض السجن وهموم الحياة وقسوة الظروف المعيشية، واللواتي يحتجن إلى احتضان واهتمام وإنصاف".