لم تكن إصابة لاعب كرة قدم "فالا" حسنا مثلما كانت على اللاعب محمود الجوهري، فصانع الألعاب الذي تميز بخفة الحركة والتمريرات القاتلة والقدرة على التهديف، أضطر إلى إنهاء مشواره مبكراً بعد أن وافته المنيه الاثنين. يعد الجوهري رائداً في مجاله إذا كان أول من فاز بكأس الأمم الأفريقية لاعباً ومدرباً، وأول من قاد المنتخب المصري للتأهل إلى كأس العالم في ظل تصفيات مؤهلة، كما كان المدرب الأول الذي يقود المنتخب الأردني إلى نهائيات كأس أسيا بعدما اعتاد الفريق تذيل تصفياتها. وعلى مستوى الأندية، سجل المدرب القدير اسمه في التاريخ باعتباره أول من قاد فؤيق النادي الأهلي للفوز بدوري أبطال أفريقيا عام 1982، وأول من قاد قطبي الكرة المصرية -الأهلي والزمالك- مدربا ونجح في الفوز على كليهما من مقعد الفريق الأخر. وحقق الجوهري مع الأهلي كل شيء إذ جمع ثلاث بطولات دوري ولقبي كأس مصر بجوار دوري الأبطال وكأس الإتحاد الأفريقي لكرة القدم قبل انتقاله للزمالك حيث قاد ثورة شاملة داخل النادي الأبيض توج بعدها بالسوبر الأفريقية عام 1994 التي شارك فيها الفريق الأبيض بوصفه بطلا لدوري الأبطال والذي فاز به تحت قيادة الجنرال. وعلى مستوى طرق اللعب، كان أول من طبق طريقة لعب 5-4-1 في كأس العالم 90 والتي اتبعها كل المدربين المصرين بعد ذلك، وأول من استخدم طريقة 4-4-2 من المدربين المصرين في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2002، بل كان المدرب الوحيد الذي طبق شقها 2-1-2-1-4 الذي ابتدعه الإيطالي أريغو ساكي . الجوهري هو مؤسس نظام الاحتراف في مصر منذ عام 1990، وأكثر من شجع اللاعبين المصريين على خوض تجربة الاحتراف في أوروبا وعلى رأسهم هاني رمزي وأحمد حسن وغيرهم، وعلى الرغم من اعتراف الجوهري بعد ذلك بأن نظام الاحتراف في مصر لا يزال قاصرا، فإنه أكد أن الإيجابيات موجودة، أبرزها أن اللاعب بات يبذل قصارى جهده ليستطيع الانتقال إلى ناد أفضل وأنه قنن حركة اللاعبين إلى أوروبا بدلا من انتقال المواهب مجانا من دون استفادة الأندية منهم . الصراع الجوهري لم يستمر طويلا مع المرض، مثلما تصارع مع كرة القدم حتى كتب اسمه في تاريخ الكرة العربية، ليرحل صاحب أشهر هتاف عرفته الكرة المصرية في تاريخها الطويل "جوهري- جوهري" الذي كان يرج أنحاء القاهرة عقب تأهل الفراعنة لنهائيات كأس العالم 1990 بإيطاليا، وذلك بعد غياب 56 عاما، وبعد كل انتصار يحققه المنتخب المصري بعد ذلك، حتى أن الجماهير كانت تقف أمام منزل الرئيس المصري السابق حسني مبارك لتهتف باسم الجوهري ولم يكن الأمن يتدخل في ذلك على عكس الأحوال الطبيعية وقتها . وعلى الرغم من فوز الجوهري بالدوري الممتاز ست مرات مع النادي الأهلي، وفوزه بلقب هداف كأس الأمم الأفريقية عام 1959 التي انتزعت مصر كأسها، فإن سيرته كمدرب فاقت هذه الإنجازات وطغت عليها .ً الجوهري كان يعتبر نفسه محظوظا لأن مشواره في الملاعب لم يمتد كثيرا وقال عن ذلك "اعتزالي المبكر جعلني أسعى بقوة لتحقيق ما فاتني في الملعب ومع اللاعبين الذين أدربهم،" ونجح "الجنرال" كما كان يطلق عليه أصدقائه المقربين بصفته ضابطاً سابقاً بالقوات المسلحة ولصرامته في عمله - بالفعل في تقديم لاعبين يحملون قلب الجوهري وعقله . سقط الجوهري بنزيف في المخ، خلال قيامه بعمله في الإتحاد الأردني لكرة القدم، إذ كان يحضر لمعسكر للمنتخب الأردني استعدادا للقاء مع المنتخب الأسترالي، يؤكد أن الرجل عاش يحب كرة القدم، ومات في الساحرة المستديرة التي سحرته طوال حياته .