لا يشك احد في أن الإدارة الحديثة قد أسهمت في اتساع الأفق الإداري وجعلها تنافس العلوم في بنائها علي أبجديات تم اختبارها ميدانيا ولسنوات عدة حتى أثبتت نجاحها وصدق نتائجها وحسمت الجدل في جدوى تطبيقها ورفضت محاولات التجريب بمحاولة الصح والخطأ بعد هذه الاختبارات ,حتى لاتتحول الميادين الإدارية إلي مجالات عبثية للاجتهادات الفردية التي تحول مكان العمل إلى ملكية خاصة تصنع من المدير مشروع دكتاتور يختزل مصير امة وإرادتها في شخصه وينسب كل نجاح إلى إدارته الذكية كما يدعي ودائما يعزو الفشل للجمهور مباشرة أو ينسبه لأيدي خارجية وعملائها في الداخل.وهذا واحد من أهم مبررات فريق من العلماء بأن الإدارة علم مثله مثل بقية العلوم أي أن هامش الخطاء لايبرر بتباطئ الإجراءات وسوء التعامل مع المؤثر الداخلي والخارجي بل بعدم تحديث الفكر الإداري ومواكبته لمتطلبات عالمية الأمم ومستجدات احتياجاتها وطموحها , وفريق من علماء الإدارة حاولوا الموائمة بين العلم والفن حتى يخففوا من حدة الإجراءات وتسارعها وشفافية التعامل والوصول إلى نتائج تبني جسور الثقة وتعزز التلاحم بين كل المستفيدين من فرص تكوين البنية الاجتماعية لمجتمع يؤمل في أن لا يسلب من حقوقه ما يعيده إلى أزمان المقايضة علي كرامته بلقمة عيشه .وفريق من علماء الإدارة أرادوا لها أن تكون ذات صبغة دبلوماسية يظهر فيها حذق الرئيس وبراعة أسلوبه في أن يتعامل مع الأحداث ببراعة فائقة يبهر أطراف الحدث وتمكنه من السيطرة بحكمة ونبل يكفل له ولأركان إدارته شرف قيادة المجتمع ويشهد له الآخرون بفراسة متناهية يجنب أطراف الحدث الاحتكام إلى حد المهند. وهنا يظهر الاحتياج الملح للمجتمعات المتعطشة للمساهمة في نماذج خلاقة للنجاح ,والبحث عن قيادة تحقق لهم حلم حرمت منه أجيالا انشغلت في حياتها بتامين لقمة عيش لها ولمن تعول بطرق شاقة أجبرتها علي الرضا بعبودية الجسد والتحفظ علي حرية ما عداه وإظهار عدم الاكتراث أو التظاهر بالرغبة في الاستمرار في النظام العبودي حتى لايفقد مصدر لقمة عيشه حتى ترسخت عند كثير من الشعوب مقولات سطرها التاريخ وحفظتها أجيال تلو أجيال ,وأصبحت تشكل حجر عثرة للخروج من قيودها وأثارها النفسية, وهي تسبب للكثيرين نقطة تحدي للذات والمراهنة عليها تعنى حياة أو موت محتم وبطريقة بشعة جدا , وهنا تظهر جدية الإدارة الحديثة التي يؤمل في المدير أن لا يكون مدير أزمات يخرجهم من أزمة ثم يعودون إليها أو يدخلهم في غيرها ثم تكتشف الشعوب بأنها ليست رهينة للقمة العيش داخل وطنها بل أن إدارة الأزمات باعتها بثمن بخس لتستعبد إلى الأبد من خارج الوطن, وهذا يحدث في شعوب غابت عنها ثقافة التعايش داخل الوطن وانشغلت بتوافه الخلافات الشخصية وعدم القدرة علي توحيد الجهود وتخطي الحاضر بما فيه من مخلفات ماضي يعثرها ,لمستقبل مشرق ترتوي الأجيال الشابة من موارد الألفة والرغبة في صناعة مساحة عيش مشترك يكفل لها الانسلاخ من التبعية للغير , لقد انهار النظام الحاكم في العراق في زمن قوة الدولة الأموية وفي زمن خليفة لايختلف علي حكمته وحنكته اثنان ووصل إلى مسامعه ما حل بالعراق وكان في المجلس من عشق الأهوال وركوبها وتحدي الصعاب وثنيها قال أنا لها يا أمير المؤمنين قالها الحجاج وهو يعلم بموت من سبقوه في حكم العراق وعرف المشكلة التي يعاني منها المجتمع فقرر أن يواجه الموت ويتحدى العاصفة وأحداث ذاك الزمان ورجاله لاتختلف كثيرا عما يحدث الآن إلا بزيادة استخدامات الكمبيوتر والتي من الممكن العبث في جميع محتوياته اوتزوير مخزوناته وتنتهي باستبعاده والعودة للعنصر البشري, والذي بكل أسف فشلت كل أنواع الإدارة في خلق نماذج قيادية تستطيع مواجهة العاصفة والتصدي لها وإيصال الناس إلى بر الامان. وهل يصعب استنساخ نماذج كالحجاج لتعيد للأمة هبتها ؟إن إدمان طأطأت الرؤؤس وثني الجباه لغير موجدها يورث استمراء الظلم والتلذذ بفصوله وتعفن ذائقة الحرية وعدم القدرة علي العيش في كنفها ولا لثانية واحدة.