كلما تقدمت السنون اشتقنا لأيام خالية مضت ، وفصول تبددت وانقضت ، وصفحات طويت ، نستعرض فيها شريط الذكريات فنرتاح قليلا ً من عناء المشاكل والضغوطات التي قد تحدث في العمل والبيت ، ولولا أننا مسلمون والله سبحانه وتعالى هيأ لنا الصلوات الخمس التي فيها الراحة والأجر ( أرحنا بها يابلال ) حديث صحيح ، لرأيت الناس في حال لايحمد عقباه ، فلله الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، ومن الأمور الجميلة في زمان مضى اجتماع الأسرة على احدى الوجبات الرئيسية في المنزل ( الفطور – الغداء – العشاء ) حين يجتمع الوالدين والأخوة جميعا ً صغار وكبارا ً، فتبدأ الضحكات والقفشات والتظلمات من قبل الصغار ، أبي أخي فلان لم يدعني آكل ويضربني وقد تأتيك يد لتلفح مؤخرة رأسك لتنهاك عن ممارساتك المشاغبة لإخوانك . تلك الأيام الجميلة لازالت في خلدنا تددغننا من فينة لأخرى فكم كانت اللحمة عظيمة بين الأسرة وكم كان الناس يتعاطفون مع بعضهم البعض ومع تقدم الزمان وفساد الأخلاق اختلفت الموازين وظهرت قطيعة الأرحام ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) سورة محمد ، ومع هذه الآيات التي تتلى يسمعونها ولايبالون ويستمرون على قطيعة الأرحام ، وأتى الأمر الخطير والذي لايفعله إلا خبيث النفس وسيء الطوية ألا وهو ( الحسد ) فتجد الخبيث يحسد قرابته إما لأنه متدين وهو متلبس بكبائر الذنوب والمعاصي الظاهرة للناس فيحسده ، وإما لماله أو منصبه في المجتمع ، ( أم يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله ) سورة النساء ، ألا يعلم هذا الجاهل المتغطرس أن النعم بيد الله يؤتيها من يشاء وأنه أي الحاسد هو الخاسر لأنه أغضب ربه جل وعلا بفعله المشين : لا تعادوا نعم الله . قيل له : ومن يعادي نعم الله ؟ قال :قال عبد الله بن مسعود الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ، ولمنصور الفقيه : ألا قل لمن ظل لي حاسدا أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في حكمه إذا أنت لم ترض لي ما وهب . ( تفسير القرطبي) . وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه كلما تقدم الزمان كان الذي بعده أشر منه ( لايأتي زمان إلا الذي بعده أشر منه ) حديث صحيح . واليوم تفرق الأخوة وأخذت الأعمال الناس عن مجالس الاجتماعات العائلية إلا نادرا ً وبدأ الأخوة يمارسون دور الأب وينتقل الدور من الإبن إلى الأب ، وهذه سنة الحياة وتقدير العزيز العليم الذي له الملك والأمر من قبل ومن بعد والقائل ( لتركبن طبقاً عن طبق ) سورة الانشقاق . فهذه عبرة للمعتبرين ودعوة للمتأملين لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.