في القليل جداً تبتهج القبور بمن يأتوها، لا تأخذهم موتى بل تأخذهم ضيوفاً عابرين لجنةٍ يجزونها بأعمالهم البيضاء الخيّرة التي لا تنقطع. ولعل وفاة ولي عهدنا صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله هي إحدى هذه الحالات التي تبتهج بها القبور رغم تضاد المشاعر على سطح الأرض بحزن الشعوب وبكاء الأرامل واليتامى والشيوخ. إلا أن هذا التضاد هو حقيقة الحب الخالص، حب الكون لمن فيه. إن سلطان بن عبدالعزيز دولة إنسانية بيضاء شعارها اليد الممدودة بالعطاء، ونشيدها الوطني هو ابتسامة دائمة لا تفارقه، وقوانينها أن تنمية الإنسان أولاً ورعايته ثانياً، فلا يمكن لهذه الأرض رغم دورانها أن تخفي ملامح الأمير الراحل البنائية في هذه المملكة وخارجها، وإن كان سلطان الخير قد قام ببناء المستشفيات والمراكز الاجتماعية والجمعيات الخيرية فإنه قبل ذلك قد بنى له في القلوب محبة وبث في أرواح البشر نقاء ابتسامته. لقد خسر الكون هذا العام رمزاً إنسانياً لا أحد يستطيع تكريمه ولن تليق به أي جوائز عالمية وأوسمة. وصدقاً، ما مات من كان اسمه سلطانا، من كانت أعماله العطاءَ. نعم، خسرناه شخصاً حاضراً بيننا، لكنه رمزاً تاريخياً باقٍ في أمتنا ما بقيت. أخذك الموت يا سلطان الابتسامة وستظل تبكيك القلوب والحناجر. أخذك الموت، وضاقت أنفاس شعب يحبك، وحبس النوم عن أعينهم يفكرون في حجم البياض الذي غادر الأرض ويخشون على بقاياه، يفكرون في وجع أخيك الملك، وجع القلب الذي زاد من ألم ذهاب فقرة الظهر. وفي النهاية، يبقى السؤال الحقيقي الذي يجب أن يصل لهذا العالم: ما الذي تعلمناه من سلطان الخير؟ أبدع من قال: وما انسدت الدنيا عليّ لضيقها *** لكن طرفاً لا أراك به أعمى * سلطان سليم المنصوري – مجلة عربيات الدولية