في حياه الامم والشعوب مواقف يسطرها أبطال بحروف من النور تبقى مضيئة لأصحاب القلوب والعقول عاشقة النور نوراً لا يخبا ضياؤها بين المشرقين والمغربين وتبقى مواقفهم البطولية هي رأسمال الشعوب التي تتوق لحياةٍ مليئة بالنماذج الأخلاقية الخلاقة . تبني بها شموخ الامم الذي يزداد علواً على مدى الأيام تمخر بها نحو هامة لا تنثني ولا تركع إلا لخالق الأرض والسماء , لقد اهتزت عرصات المدينةالمنورة ولاباتها وجبالها , لا بل ورجالها العظماء . لخبر موت (نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم ) وكانت فاجعة لم يعرف التاريخ لها مثيل. الموت في ثقافة المسلمين أمر حتمي لابد منه غير أن التربية على تناوب الأدوار في الحياة هو الثقافة الأخلاقية الخلاقة التي تصنع المواقف البطولية . دعا الرسول صلى الله عليه وسلم في أبان أزماته مع المشركين أن ينصر الله الإسلام بأحد االعمرين. ويبدو لي أن هذه دعوه مشروعة لنبي يمر بأزمة مع قومه . هذا في ظاهر الحدث. لكن الأمر يختلف عندي شخصياً. إذا أن الرسول صل الله عليه وسلم , لم يكن في حاجة إلى رجال اقويا يحرسونه ولا يؤمنون له الحماية الشخصية , ولا في حاجة وريث للعرش , فهو نبي يرثه العلماء في حمل العلم النبوي الرسالة السماوية ولا يرثونه في النبوة . والدرس المهم في حياه رجل قوي الشخصية والبنية قال عنه الذين يعرفونه شخصيا لو سلك عمر وادياً لسلكت الشياطين وادياً آخر خوفاً منه . هذا قبل الإسلام فألتحق بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جهاراً نهاراً وهو يقول من أراد أن تكثله امه فليلحق بي خلف هذا الجبل , وانطلق كالسهم إلى المدينةالمنورة وهو يعلم بان الرسول صلى الله عليه وسلم دعا لأحد العمرين بأن ينصر الله به الإسلام . وهذا ليس تلبية للنداء ولا انتهازا للفرحه ولكنها كانت الرغبة بان يرتقي بسمو نفسه الى درجة روحانية الرساله وتكتمل في شخصيته المتميزه صورة متفردة تجمع قوة الشخصية والقوة الجسدية والقوة الروحية . وهو الذي تجاوز كل إشكال رقة العاطفة في واده لأبنته في الجاهلية . هذه الشخصية كانت في أمس الحاجة إلى مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم التي يربي فيها سادة العالم وقادتهم وإكمال مسيرة بناء مجتمع هو في أمس الحاجة لشخصية لا تعشق من الدنيا سوى العبور للآخرة بسجل خالٍ من أي مظلمة تلحق بأحد. حتى هذه اللحظة وشخصية عمر رضي الله عنه تعجب الناس كلهم وعلى رأسهم معلم الأمه صلى الله عليه وسلم وهو يقول عنه صلى الله عليه وسلم (لو أنزل هذا القرآن على رجل بعدي لنزل على عمر بن الخطاب) وينهار عمر أمام الفاجعة الكبرى موت الرسول صلى الله عليه وسلم ويجتم على ركبتيه , وينكر موت محمد صلى الله عليه وسلم لان العلاقة (إيمان بقوة من حمل الرسالة صلى الله عليه وسلم ) وعمر لا يزال في مراحل بناء الشخصية ولان الفترة مابين إسلام عمر رضي الله عنه ووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن كافيه يروي منها عمر عطشه الشخصي ولم يتمتع بالجلوس طويلاً مع الرسول صلى الله عليه وسلم كما تمتع غيره أمثال أبي بكر رضي الله عنه وبقية الصحابة ولهذا فالصدمة العاطفية كانت اكبر من أن يتحملها . وكأنما رقة قلبه أتت ردة فعل على قسوة قلبه إبان وجوده في مكة قبل الإسلام . ولهذا- في هذا الموقف لم يكن مؤهلاً حتى هذه اللحظة للخروج من هذه الصدمة لتولي ادارة أو قيادة مسيرة الامة ولم يكن في تلك اللحظة مستوعبا مصير ما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم . لكن عندما تجاوزها – قاد امة اعجبت الأعداء حتى أن ملك فارس أرسل وزيره الخاص ليتعرف على شخصية عمر رضي الله عنه , فوجده على الطبيعة اكبر وأكثر مما وصفه الواصفون . وقال( حكمت , فعدلت , فأمنت , فنمت) وعمر – لا ينام كبقية البشر فقط يؤوى جسده إلى ظل شجرة ليريحه من مشقة السعي لقضاء حاجات أمته ليلاً ونهاراً. هذا الذي تربى في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم . وعندما وعينا على الحياة وجدنا أن كثيراً من الدول بعد الاستعمار . هي كل يوم في شان. تصبح على رئيس . ونتقبل العزاء فيه مساءاً إلى درجة ان كتب التاريخ لم تعد تستوعب صحة الأحداث من كثرة المعلومات المحذوفة والمضافة ,حتى أن بعض الدول غيرت علمها الوطني وألوانه وشعاراته في كل عام مراراً وتكراراً وغيرت عواصمها وحدودها ,بل أسماء بلدانها وأصبحت تشكل اتحادات واختلافات حتى في انفصالها وضمها لدول أخرى. وانشغلت الشعوب عن طلب العيش إلى عناء معرفة الرؤساء الجدد . والشعوب التي قد تضاف لهم أو تنفصل عنهم. ثم مر ردح من الزمن بدأت الشعوب تنسى حتى اسم الرئيس – لطول مدة بقائه في سدت الرئاسة وكادت أن تحنط بعضهم لانشغالهم بطلب العيش بعيداً عن اهتمامات الرئيس ومسئوليات وهو كذالك أصبح مشغولاً في شأنه الخاص , وكأنما العالم يمر بمرحلة من مراحل الموت المرحلي ثم فجأة يستيقظ , ويحلم بالرئيس الذي حنطه الزمن ويبدأون كما بدأ({ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فأصبحت الشعوب تنسب موتها للرئيس وتطلب منه أن يرحل –حتى لا تستمر في موت ابدي فهل رحيل الرئيس سيظمن لهم حياة كما يظنون؟