يعود وزيرالخارجية الأمريكي جون كيري إلى الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن يلتقي عددا من كبار المسؤولين في دول المنطقة العربية التي يبدأها بزيارة المملكة. مضى ما يقارب عاماً من مراوحة السياسة الأمريكية في مكانها في أكثر من ملف في قضايا المنطقة التي باتت تغلي على صفيح ساخن بفعل السياسة المترددة للرئيس الأمريكي أوباما. الإدارة الأمريكية ومن موقعها كدولة عظمى لم تقم بدور فاعل في حل الملفات الشرق أوسطية وذلك بأن تكون على مسافة واحدة من جميع الأطراف، بل بدت هذه الإدارة منحازة في ملفات الشرق الأوسط سواء في القضية الفلسطينية أو الملف النووي الإيراني أو المسألة السورية، التي باتت تنذر بانعكاسات خطيرة على المحيط العربي والإقليمي. وبالرغم من أن كيري نجح في إعادة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلا أنه فشل في وضع أسس سليمة لعودة المفاوضين إلى مائدة التفاوض، ومارس ضغطا على الطرفين للعودة فقط إلى الطاولة حتى يداري هذا الفشل، وسرعان ما عادت إسرائيل إلى سياسة الاستيطان وقررت بناء آلاف الوحدات السكنية في الأراضي الفلسطينية، فوجد الفلسطينيون أنفسهم أمام جدار الاستيطان الذي سينسف كل جهود السلام وحل الدولتين. وفيما يتعلق بالملف النووي الإيراني الذي أظهرت واشنطن استعدادا مبالغا فيه لإعادة العلاقات مع طهران، فقد فسره مراقبون أنها ستقدم تنازلات على حساب حلفائها في المنطقة، في حين بدأت طهران تستغل هذا الاستعداد الأمريكي لتلعب على تناقض الموقفين الأمريكي والإسرائيلي، وهذا ما ينعكس على استقرار المنطقة، وعلى المفاوضات مع القوى الكبرى قبل حصول تقدم جدي فيها. أما المسألة السورية التي تصدرت الأزمات العالمية في حجمها وتداعياتها فإن سياسة واشنطن بدت أكثر ترددا تجاهها، وظهر تحول في موقفها ليصبح أقرب إلى الموقف الروسي الإيراني، مما أبعدها عن مسؤوليتها كدولة عظمى تجاه هذه الأزمة، ورأى السوريون ودول إقليمية وعربية في هذا الموقف انحيازا للنظام ومكافأة له على تسليمه «الكيماوي» بدل تقديم الدعم للمعارضة السورية وخلق توازن كحد أدنى بين طرفي الصراع. طريقة إدارة البيت الأبيض لهذه الملفات لم تزعج دول المنطقة وحسب، بل أزعجت كثيرا من الساسة الأمريكيين في الحزب الجمهوري، ورأوا فيه ليس تراجعا فقط عن التزاماتها ومسؤولياتها كدولة عظمى تجاه حلفائها في المنطقة، بل أفولا لحضورها العالمي وربما هذا ما دفع كيري للعودة إلى المنطقة للملمة نتائج السياسة المترددة. فهل سينجح الوزير الأمريكي باستعادة ثقة العالم والحلفاء في البيت الأبيض من جديد؟.