في سابقة على صعيد التبادل الثقافي بين المملكة وفرنسا، تم نقل عدد من الأعمال الفنية العالمية من متحف بومبيدو الفرنسي العريق إلى مدينة الظهران في إطار مهرجان «إثراء المعرفة» العلمي والتثقيفي والمعرفي الذي تقيمه أرامكو السعودية ومركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، الذي افتتح قبل يومين وسيستمر حتى 28 من شهر نوفمبر المقبل. وتستهدف الشراكة الثقافية الاحتفاء بعالِم البصريات العربي ابن الهيثم، الذي حقق باكتشافاته قبل ألف عام قفزة علمية ضخمة مازالت تأثيراتها تتردد حتى الآن على صعيد الميكانيكا البصرية، من الكاميرا إلى المناظير الضخمة، وما يندرج بينهما من اكتشافات. لذا اختار متحف بومبيدو لعرضه اسم «ألوان نقية» (الناتجة عن انكسار الضوء)، ووقع اختيار برنامج «إثراء المعرفة» في معرضه الضخم على موضوعي الضوء واللون؛ فالضوء هو محل تواصل جميع البشر الذين حمَّلوه صفاتٍ وأفكاراً كثيرة منذ فهم البشر أهمية الضوء لحياتهم، والعلماء العرب في القرون الوسطى كانوا قد أخذوا عن الإغريق علومهم المتعلقة بالضوء، ثم قاموا بتطويرها ودفعها قُدُماً مساهمين في تقديم خدمات جمَّة للإنسانية؛ لذا، تقترح الشراكة بين «بومبيدو» ومركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي فكرة تواصلية بين حضارتي الشرق والغرب. فؤاد الذرمان مدير المركز يشرح الهدف من إقامة المعرض وجلب هذه الروائع العالمية، وهو «إتاحة تلك الكنوز الفنية أمام أفراد المجتمع بهدف إثراء الفكر وإلهام الخيال وإشعال جذوة الإبداع لدى جيل الشباب؛ إذ إن للفنون أهمية أساسية في بناء أية حضارة، وهي مصدر رئيس للتذوق الجمالي، والعمق الفكري، وتكوين العقل الابتكاري، والخروج عن المألوف بما يدفع عجلة الإبداع والتطور قُدماً». وبحسب جان ميشيل بوهور Bouhours، المسؤول عن قسم «بومبيدو» في المعرض، فإن كل عمل من الأعمال العشرين المختارة سيترك تأثيراً عاطفياً قوياً على الزوار والمشاهدين، من خلال تواصلهم المادي مع العمل الفني الأصلي، ومن بينها معروضات فنية غاية في الأهمية على صعيد المدارس الفنية الحديثة التي برزت في القرنين ال 20 وال 21، ومن بينها اللوحة الأصلية «الكرسي الهزاز» لبيكاسو. وهذا ما سيساهم في خلق تواصل مهم وخلَّاق مع الجمهور المحلي. إلى حديقة كبيرة تتوزَّع فيها الخيام التثقيفية والترفيهية والتعليمية، يدخل زوار مهرجان «إثراء المعرفة»، سيشعرون كما لو أنهم في سيرك قادم من أحد عوالم المستقبل، سيتمكنون من التنقل بين سبع فعاليات إثرائية في تخصصات مختلفة، أهمها بعد «متحف بومبيدو المتنقِّل»، قرية «السلامة المرورية» المصممة من أجل تعليم الأطفال حُسن قيادة السيارة واستيعاب القوانين وأنظمة المرور وتطبيقاتها في سن مبكرة. وهناك معرض «كفاءة الطاقة» الذي يهدف إلى رفع مستوى الوعي لدى سكان المملكة حول استهلاك الطاقة حفاظاً على البيئة من أجل أجيال المستقبل. ويمكن للأطفال أن يتزوَّدوا بمعلومات بيئية لجعل العالم أكثر اخضراراً، في خيمة «لنجعلها خضرا» التي تسعى لتقوية العلاقة بين الطفل والبيئة. وينتظر الزوار عروضاً إبداعية وترفيهية في ندوات وفعاليات حية ومباشرة، تم انتقاؤها بعناية من مختلف أنحاء المملكة والعالم، تجمع ما بين العناصر التثقيفية والتعليمية. في الخيمة المخصصة لابن الهيثم، يدخل الزائر إلى خيمة تفاعلية كبيرة، ليشعر كأنه في عالم خيالي من ألف ليلة وليلة وشخصياتها وأبطالها. ليتلقى معلومات مهمة حول الاكتشافات التي غيَّرت عالمنا منذ ما يزيد عن 1000 سنة. ولابد من الإشارة إلى دور المتطوعين المنتشرين بين أركان المعرض لمساعدة الزوار، وكانت أرامكو قد استهدفت هؤلاء المتطوعين من الشباب طلاباً وطالبات، لتحفيزهم على المشاركة ودفعهم إلى لعب دور أساسي في شرح تفاصيل المعروضات، في سبيل التأسيس لجيل من الشباب السعودي المتحفِّز على التواصل والشعور بجدوى المشاركة. المتطوعة ندى أحمد، على سبيل المثال، قامت بتقمُّص دور العالمة التاريخية «ستيتة المحاملية» التي تمكنت من حلِّ عديد من المعادلات الرياضية الصعبة، قبل قرون. أما المتطوعة هاجر فتحي، فقد كان دورها شرح طريقة عمل «الغرفة المظلمة» التي كانت بمنزلة الخطوة الأولى لاختراع الكاميرا. ثم هناك خيمة «مائة اختراع واختراع غيَّرت العالم» المزودة بشاشات عرض كبيرة، لتمكِّن الزائر من خوض مغامرة تفاعلية في مراحل زمنية تم فيها تحقيق اختراعات غيَّرت العالم. في معرض «إثراء المعرفة» في الظهران، محاولة لنقل معلومات علمية وثقافية إلى الجمهور السعودي ولكن بوسائل ترفيهية. فهذه الطريقة المشوِّقة ستؤدي دوراً رئيساً في دعم التعليم المدرسي الذي -دون قصد- يجعل من المواد العلمية الجافة، تحدياً أمام الطلاب والطالبات الذين يديرون لها ظهورهم كما لو أنها عقابٌ دراسي لهم. جانب من المعرض