الاستحواذ العاطفي، لا أَعُده عاطفةً مقبولة أو مبررة بقدر ما أظنه اعتلالًا عاطفيًا أو اضطرابًا عاطفيًا، غير أن مسألة الحديث عن الاستحواذ العاطفي هي عينُها مسألة الحديث عن الخوف، والأنانية، واختلاط الوجدان، لا بد في ظني من الوقوف عند التعريف، ما هو الاستحواذ العاطفي؟ ليس في وسعي أن أعطي تعريفًا صحيحًا قاطعًا إذ الإنسانيات من طبيعتها الاتساع وقبول التعدد. سأصف فهمي للصفة أو المفهوم بالمقارنة بتجارب قد تكون محدودة أو خاصة أو عارضة. الاستحواذ العاطفي نفيٌ للعاطفة باسم العاطفة. أليست هذه خدعة نفسية مراوغة؟ أن نعاديَ عواطفنا بنزعة عاطفية دليل على أننا أقرب إلى الاضطراب العُصابي منّا إلى النضج العاطفي. إنني حين أنزع إلى حب التفرد والاستئثار وقطع الآخرين عن علاقةٍ عاطفيةٍ ما، أكون قد وقعتُ في فخ الاستحواذ العاطفي.. وأنا لا أتحدث عن خصوصيات عواطفنا، لاحظوا هذه المسألة، نحن لا نختلف على حيز العلاقة العاطفية الخاصة. نحن نتحدث فقط على العاطفة العامة، عن علاقة الناس ببعضهم. هذه حالة اشتراكٍ إنساني. إنَّ الاستحواذ أو نزعة الاستحواذ نزعة نافية لمعنى التعايش الإنساني. إن فكرة الأخوة الإيمانية هي تمامًا فكرة (نفي الاستحواذ العاطفي)، إنها ضدها الخالص. لا ينبغي أن نتعاطف مع أنفسنا على حساب الآخرين، وفي الحديث الشريف: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» أو كما ورد عنه (عليه الصلاة والسلام). الفكرة التي ينطوي عليها القول النبوي الشريف هي تمامًا فكرة الوحدة العاطفية لدرجة الاشتراك حتى في الألم، وتلك مُناقضة تمامًا للطبيعة الأنانية التي نتحدث عنها، أعني طبيعة الاستحواذ العاطفي. هذه طبيعة ليست إنسانية وحتى الدين لا يقرها لأن فيها نوعًا من التعدي النفسي، والتعدي ضرر.. إنها تُضّيق إنسانية البشر، وهؤلاء الاستحواذيون يتحجرون واسعًا أو يريدون أن يفعلوا ذلك دون أن يرفَ لهم جفن. هذا شيء غريب مزعج. إنني أحيانًا أعطل عاطفتي لكي لا أقع في صراعٍ مع هؤلاء المحاربين. إنهم في حقيقة الأمر يخيفونني فأعود على عاطفتي باللوم وأقمعها. هذا أيسر من التنازع، فكيف إذا كان ذلك التنازع مع هذا الصنف الغريب من عباد الله.. إنهم يستميتون لنفيكَ وهزيمتك وكسر شوكتك إن كانت لك شوكة. في مقابلة هؤلاء، عليكَ أن تتوب من تعميم عاطفتك وعليكَ أن تكف عن الرغبة في تحويل العاطفة إلى مُشتركٍ إنساني يرطّب جفاف الدنيا.