دعت مجموعة إسلامية متشددة في السودان أمس الأحد الحكومة إلى التراجع عن قرارها بزيادة أسعار الوقود الذي أدى إلى اندلاع احتجاجات دموية واسعة في البلاد. وقالت منظمة «الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة في السودان»، وهي منظمة غير رسمية، إن على الحكومة «إيقاف كافة الإجراءات الاقتصادية التي أضرت بكافة أفراد وشرائح المجتمع بما في ذلك حزمة الإجراءات الأخيرة ووضع معالجات فعالة وعاجلة لتجنيبهم أي ضرر يلحق بهم». ودعت المنظمة الحكومة التي تصف نفسها بالإسلامية إلى «تحقيق العدل والإحسان والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي». كما نصحت الحكومة ب «الدعوة لمؤتمر اقتصادي عاجل يتألف من الخبراء الاقتصاديين المستقلين لمراجعة السياسة التقشفية الحكومية وأوجه الإنفاق والبدائل المتاحة وتقديم توصيات اقتصادية ملزمة للحكومة». كما دعت المنظمة إلى «تحريم الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، فكما أن الدماء معصومة فكذلك الأموال معصومة وإن رُوِّج لإتلافها سراً بالدعايات السياسية البرَّاقة، والشعارات المشعوذة». في المقابل، أكدت السلطات السودانية أمس تمسكها بقرار زيادة أسعار الوقود على الرغم من الاحتجاجات العنيفة المستمرة منذ أيام وانتقادات من داخل الحزب الحاكم لذلك القرار. وتقول السلطات إن 33 شخصا قُتِلُوا منذ زيادة أسعار الوقود إلى ما يقارب الضعف يوم الإثنين الماضي، ما أدى إلى اندلاع أسوأ احتجاجات يشهدها السودان منذ تولي الرئيس عمر البشير الحكم قبل 24 عاما. وقال نشطاء وجماعات حقوقية دولية إن 50 شخصا على الأقل قُتِلَ معظمهم في منطقة الخرطوم. ولم ترد تقارير عن احتجاجات جديدة صباح أمس الأحد، إلا أن شاهد عيان في مدينة أم درمان قال إن قوات مكافحة الشغب والأمن انتشرت في الشوارع بأعداد كبيرة. وأكد وزير الإعلام السوداني، أحمد بلال عثمان، أن الحكومة لن تتراجع عن قرارها بزيادة أسعار الوقود. وقال عثمان في مقابلة هاتفية بشأن التراجع عن القرار «لا، ذلك ليس ممكنا أبدا، إن زيادة الأسعار هي الحل الوحيد». واعتبر الوزير أن السلطات اضطرت إلى التدخل عندما أصبحت الاحتجاجات عنيفة، وأضاف «هذه ليست تظاهرات.. لقد هاجموا محطات البنزين وأحرقوا نحو 21 منها». وأقرّ بأن الحكومة كانت تعلم أن «أعمال شغب» ستندلع إذا تمت زيادة أسعار الوقود، إلا أن رفع الدعم عن الوقود سيؤدي إلى توفير مليارات الدولارات. وتابع «لا يستطيع اقتصادنا تحمل استمرار هذا الدعم، علينا أن نستمر رغم أننا نعلم أن ذلك ثقيل بعض الشيء على الناس». في الإطار ذاته، قال مساعد الرئيس السوداني، نافع علي نافع، إن الحكومة لن تسمح بانفلات الأمن، داعيا قيادات «المعارضة الوطنية» إلى ألا تتيح الفرصة للمندسين باسم التظاهرات السلمية بهدف التخريب والقتل. ونفى نافع بشدة أن تكون الذخيرة الحية التي استُخدِمَت في قتل المتظاهرين هي المستخدمة من قبل القوات النظامية. وبدأت الاحتجاجات التي رفعت شعارات ما يسمى ب «الربيع العربي» المطالبة باسقاط النظام بعد زيادة أسعار المشتقات النفطية حيث ارتفع سعر جالون البنزين إلى 20.8 جنيه سوداني (الدولار يساوي سبعة جنيهات تقريبا في السوق السوداء) مقابل 12.5 جنيه في السابق. كما ارتفع سعر جالون الديزل إلى 13.9 جنيه سوداني مقابل 8.5 جنيهات في السابق، وسعر أسطوانة غاز الطبخ زنة 15 كيلوجراما إلى 25 جنيها سودانيا. وكانت أسعار الوقود تضاعفت العام الماضي بعد الرفع الجزئي للدعم. ويقول السكان إنهم يعانون من ارتفاع الأسعار منذ عامين، إلا أن الأسبوع الماضي شهد للمرة الأولى خروج الفقراء إلى الشوارع احتجاجا على الأسعار. من جانبه، أعلن الجناح الإصلاحي داخل حزب المؤتمر الوطني العام في السودان برئاسة الرئيس عمر حسن البشير أمس الأول، السبت، في رسالة معارضته القمع الذي ووجهت به التظاهرات المعارضة لإلغاء الدعم عن المحروقات. وجاء في رسالة وجهها إلى الرئيس السوداني 31 مسؤولا في الحزب الحاكم من الجناح الإصلاحي أن «الإجراءات الاقتصادية التي وضعتها الحكومة والقمع الذي مورس ضد الذين عارضوها بعيدان عن التسامح وعن الحق في التعبير السلمي». في سياقٍ متصل، أمرت السلطات بوقف صدور صحيفة «الانتباهة» التي انتقدت قرار الحكومة بزيادة أسعار الوقود، بحسب ما أفاد مديرها الطيب مصطفى. ويأتي ذلك وسط شكوى الصحافيين من تشديد الرقابة على الصحافة منذ صدور القرار. وصرح الطيب مصطفى «بالأمس أبلغنا جهاز أمن الدولة بالتوقف عن النشر لأجل غير مسمى دون إبداء الأسباب». وخسر السودان، وهو من البلدان الإفريقية الفقيرة، مليارات الدولارات من موارده النفطية منذ استقلال جنوب السودان قبل سنتين، ومن حينها يعاني من تضخم كبير ومن صعوبات لتمويل إيراداته.