تواصَل الضغط الشعبي في السودان ودخلت الاحتجاجات ضد ارتفاع الأسعار يومها السادس حيث خرج أمس السبت آلاف المحتجين، فيما واصلت الحكومة قمعها للمتظاهرين باستخدام الرصاص الحي والمطاطي والغاز المسيل للدموع. واندلعت تظاهرات جديدة أمس في مناطق وسط الخرطوم، وشيع آلاف المواطنين جثمان صلاح مدثر السنهوري (33 عاماً- صيدلي) وسط هتافات مدوية تطالب بإسقاط النظام. ولم يوقف القمع والرصاص الذي تطلقه السلطات الأمنية في الشوارع بصورةٍ عشوائية تحركات عديد من المحتجين، واستمرت التظاهرات في بقية مدن وولايات السودان وأصبح السودانيون يشيِّعون يوميا أعداداً من القتلي علي مدار ال 24 ساعة، كما تعرض عديد من المحتجين إلى إصابات وحالات اختناقات بسبب إطلاق السلطات للغاز الكثيف في الشوارع بغرض تفريقهم. في سياقٍ متصل، تضاربت المعلومات بشأن أعداد القتلي والجرحى والمعتقلين وسط تعتيم إعلامي مارسته السلطات الأمنية ما دفع صحفيين إلى الدخول في إضراب عن العمل. ويؤكد ناشطون أن عدد القتلى تجاوز ال 200 مواطن وأن عدد المعتقلين تجاوز الألفين بجانب أعداد كبيرة من الجرحى والمصابين في مستشفيات العاصمة الخرطوم. وبينما قالت الهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات ،إن عدد القتلى في التظاهرات قد بلغ 140 يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين. وقدّرت منظمات حقوقية عدد القتلى في مدن الخرطوم والخرطوم بحري وحدها يوم الجمعة بحوالي 40 مواطناً، في وقتٍ أقرت فيه الحكومة بمقتل 29 مواطناً. وعلى صعيد الاعتقالات، أعلنت وزارة الداخلية السودانية أن 600 شخص اعتُقِلُوا لمشاركتهم في التظاهرات المناهضة للحكومة التي تجتاح البلاد منذ الإثنين الماضي بعد قرارات حكومية برفع الدعم عن بعض الخدمات والسلع. وأعلنت الداخلية في بيانٍ لها «اعتُقِلَ 600 شخص لمشاركتهم في أعمال تخريب وسيُحاكَمون الأسبوع المقبل». سياسياً، انضمت الفعاليات السياسية والحقوقية في السودان المؤيدة للحراك الحالي إلى تحالف جديد باسم «تنسيقية قوى التغيير» لتوحيد جهود «الثورة السودانية وإكمالها إلى نهايتها». وضمت التنسيقية تحالف قوى الإجماع الوطني المعارض، وتحالف شباب الثورة السودانية، والنقابات المهنية (الأطباء- المعلمين- أساتذة جامعة الخرطوم- التحالف الديموقراطي للمحامين- أطباء الأسنان- الصحفيين) وتحالف منظمات المجتمع المدني. ودعت التنسيقية إلى تنحي النظام فوراً وحل كل أجهزته التنفيذية والتشريعية وتكوين حكومة انتقالية تضم كل أطياف الشعب السوداني تتولى إدارة البلاد لمرحلة انتقالية مقبلة. وشددت علي مبدأ المحاسبة والقصاص من كل من شارك في «جرائم القمع والتعذيب والقتل في حق أبناء الشعب السوداني»، وأكدت على ضرورة وقف الحرب الدائرة في السودان ووضع الأسس للسلام المستدام عبر عملية مصالحة وطنية شاملة تخاطب بذور الأزمة السودانية. من جهته، رأى الصحفي السوداني والمحلل السياسي، ماهر أبوالجوخ، ل «الشرق» أن التظاهرات الحالية استفادت، منذ الجمعة الماضية، من ظهور الرموز السياسية ومشاركتهم في قيادة الاحتجاجات، معتبراً أن حركة الاحتجاج الحالية تجاوزت التخريب «وهو ما قوَّض مصداقية الحكومة ونزع الصدقية عن تبريرها استخدام العنف تجاه المتظاهرين، ما سيترتب عليه زيادة في الضغوط الإقليمية والدولية على الخرطوم»، حسب رؤيته. وتوقع أبو الجوخ أن تتعرض الحكومة السودانية لخسائر معنوية وسياسية فادحة وغير مسبوقة حتى لو تجاوزت التظاهرات الحالية، ورجح أن يفقد المواطن السوداني التعاطف معها بسبب قتل المتظاهرين، مشيراً إلى ما سماه إضافة جيوب جديدة إلى الجيوب الملتهبة بالفعل والمحتقنة من الحكومة. وتابع «إذا تمكنت الحكومة من السيطرة على تظاهرات سبتمبر فإن ذلك لن يحميها من الهزة الارتدادية لها سياسيا واجتماعيا».