كان المرض في البداية حكما بالإعدام، ثم انتقل إلى إمكانية العلاج والضبط والحجز، واليوم بدأت تباشير الشفاء منه في عشرات الحالات. الأطباء يحلمون بذلك اليوم الذي يعلنون فيه النصر النهائي على المرض. رحلة هذا المرض مخيفة كتبت عنها كتابا بأكثر من 400 صفحة فيها 225 صورة منها 75 صورة ملونة. من أين جاء؟ وكيف بدأ؟ وكيف انتشر وحصاد الهشيم. عدد المصابين وصل حاليا في العالم إلى أكثر من أربعين مليون إصابة، والموتى بالملايين. في عام 1981 أعلن لوك مونتانيه عن الخمسة الأوائل من حملة المرض، ثم مسبب المرض من فيروس مكبر تحت المجهر 65 ألف مرة. هذا الفيروس مرعب لأنه ليس كالجراثيم يهاجم الخلية، بل يصعد هذا الفيروس الخبيث فيقلب هيأته مثل مخابرات الأسد، بدل الحماية تدمير العضوية، وبهذه الطريقة يدخل الكود متظاهرا بالطيبة والمسكنة فيلتحم بالكود الوراثي ويصبح قطعة منه فتنتجه الخلايا وهي تفرز السم الناقع. في عام 1983 أعلن كل من فرانسوا باريه سنوسي وروبرت جالوا ومونتانيه توصلهم إلى الشخصية الخلفية للمرض وأعطوه اسم فقد المناعة الكسبي الإيدز (AIDS) ثم حمي الصراع حول براءة الاختراع، وحاليا سوف ينال كل من مونتانيه وسنوسي جائزة نوبل بعد أن حيد منها روبرت جالو. في عام 1987 بدأ الطب في رحلة العلاج بمادة الاسيتوثياميدين (AZT). في عام 1990 بدأ المرض في حصد الأرواح إلى عالم الأتراح. من عجيب ما علمت موت الفيلسوف فوكو صاحب كتابات ما بعد الحداثة بالمرض فقد كان مثليا؟ في عام 1996 في مؤتمر فانكوفر توصل الأطباء إلى مزيج من العقاقير تلجم المرض. ثم بدأوا في تجربة اللقاح في تايلاند عام 1999 دون نتائج مشجعة ففشلت. في خارطة انتشار المرض هناك ربع السكان في جنوب أفريقيا يحملون الفيروس ما يشكل وباء خطيرا. وفي عام 2013 بدأ الإعلان عن الشفاء التام في عشرين حالة منهم (توموثي براون) من برلين و14 حالة من فرنسا والرضيع من المسسيبي. لقد توصلت التقنيات الحالية إلى إمكانية البدء بإعلان الانتصارات الأولى. يجب أن نعلم أن المرض بين انفجاره والإعلان عن الشفاء منه أخذ أقل من أربعين سنة. مقابل الإفرنجي الذي حصد أرواح البشر لأكثر من أربعة قرون، قبل أن يزيح الرب الستار عن عيني فلمنج في الكشف عن البنسلين ليكتب الشفاء التام منه. وقبل ذلك لم يكن يعرف الأطباء عن العالم السفلي من وحدات الخلايا شيئا؛ فضلا عن الفيروسات التي كانت تنتظر المجاهر الإلكترونية لإمكانية رؤيتها. هذه هي رحلة الطب طبقا عن طبق، وفتحا بعد فتح، ولكنها ليست النهاية فالجرثوم يرجع فيضرب ويتلمص، والطب يلاحق فيعجز أو يفلح. «وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ، قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ، وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ».