كنت مرة برفقة صديق غير عزيز في مكان شهير في إحدى مدن بلادي، وقد دخلنا المكان بعد صلاة الظهر، في أجواء سماوية بديعة: زرقة وغيم ووميض بروق ورعد رقيق الصوت هذه المرة. قلت لصاحبي إن الشمس اختارت فجأة أن تغمض عينيها وتغفو بعض الوقت، لا من تعب وإرهاق، إنما لفظاعة ما تستيقظ عليه صباحا وتراه من خلف الستائر هنا وهناك مما يجري خلف الأبواب المغلقة من تلاعب بعض الناس ببعضهم واستبداد بعضهم ببعض وظلمهم وابتلاع حقوقهم وغير حقوقهم في البطون المنتفخة والكروش المتهدّلة و(العجيزات) التي من فرط ضخامتها هبطت على الذين لا يُرون لضآلتهم ونحالة أجسادهم (ففعصتهم) و(شحمطتهم) وكتمت أنفاسهم دون أن تحسّ بهم، لكن الأغرب والأعجب والمثير للدهشة والحيرة من كل ذلك هو الانقلاب المفاجئ الذي حدث للأجواء المناخية، فبمجرد خروجنا إذا بالشمس قد عادت من غفوتها القصيرة بعين لاهبة من شدة الحرارة ورحلت الغيوم إلى أماكن أخرى بعيدة، ولم يعد البرق يغمز بضوئه الخاطف الفتان، في حين أصابت الرعد سكتة مباغتة فلم نسمع له حسًّا! ما الذي حدث لهذه الظهيرة لتستبدل القسوة بالرحمة؟ هل هي مزاجية مثل البشر؟ هكذا تساءلت في سري، ولم أجهد طويلا في البحث عن إجابة، لأن الأمر أوضح من هذه الغزالة التي تجاوزت في سيرها منتصف سمائنا وتربعت في نقطة أبعد قليلا وأظهرت قرنها (حامياً) يكاد أن يساقط علينا كسفاً من حرارته الهائجة، لكأنما رأيت الشمس تسرع لتصل إلى مستقرها، وتبكي هناك وحيدة، تغسل دموعها في البحر قبل أن تنام! (يتبع)