تعدُّ حملة «اتحدوا» التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة في فبراير 2008 لمواجهة وإنهاء العنف بأشكاله المختلفة الممارس ضد النساء في مختلف بقاع الأرض، من أنبل الحملات الصادرة من أكبر شخصية في المنظمة العالمية. وقد جاءت الحملة نتيجة للمساعي الحثيثة للمنظمات النسوية والحقوقية المحلية والعالمية، التي كان عليها تجاوز تلك الحواجز المبنية على موروث مغلف بكثير من التبريرات والمفاهيم الدينية المغلوطة والعادات الاجتماعية المنحدرة من عصور قديمة تحصر الرؤية للمرأة في كونها متاعاً منفرداً، وليس شريكاً، وتمنح الرجل فضاءً لا حدود له في عدم احترامها والاعتبار لإنسانيتها. وقد تُوجت هذه المساعي بتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة حملة تمتد حتى 2015م لمساعدة الدول الأعضاء على التخلص من تأثيرات هذه الموروثات الظالمة، عبر تطبيق جملة من الإجراءات يأتي في مقدمتها «إصدار وإِنْفاذِ قوانين وطنية للتصدي لجميع أشكال العنف ضد المرأة والفتاة والمعاقبة عليها». والتزاماً بتنفيذ ما نصت عليه الخطة، فقد قامت حكومة المملكة العربية السعودية بإصدار نظام «الحماية من الإيذاء»، مدشنة بذلك البداية في مسيرة لإنهاء الإيذاء والتعدي وانتهاك الحقوق لفئة واسعة من أعضاء المجتمع. وفي هذا الخصوص من المهم الإشارة إلى أن أغلبية القوانين ذات الصلة بأوضاع حقوق الإنسان لم تصدر انبثاقاً من مبادرات للأجهزة التشريعية المحلية، بقدر ما هي استجابة لمتطلبات العصر الحديث التي أمست أكثر انفتاحاً وقبولاً للمستجد في الفكر الحقوقي الإنساني وتمسكاً بالمعاني المنصوص عليها في المواثيق والعهود الدولية الحقوقية الإنسانية. ولهذا ليس من المستغرب أن يُوجه لهذا القانون الانتقاد من قِبل الأوساط التقليدية المعارضة لأي تحديث للمجتمع، وستعتبره ضمن محاولات التغريب الموجهة لضرب خصوصية مجتمعنا وغير ذلك من الانتقادات التي ستلُبس عنوة ثياب الغيرة على استقامة المجتمع وعفافه وتماسكه الديني. فهذه القوى غير قادرة على رؤية الفوائد الكبيرة التي سيجنيها المجتمع من خلال تطبيق هذا القانون، التي يأتي في مقدمتها منع الأذى عن خلق الله، وتوطيد الاحترام المتبادل والمعاملة الحسنة بين أفراد الأسرة الواحدة. وفي هذا الخصوص تأتي ضرورة الاستمرار في حملات توعية بهذا القانون، فهو ليس بقانون يخدم فئة محدودة، بل يمس جميع أفراد المجتمع. لقد منح مجلس الوزراء وزارة الشؤون الاجتماعية فترة ثلاثة أشهر لإصدار اللائحة التنفيذية، ومع أنه لم يُنشر كاملاً في موقع الوزارة كي نتعرف على جميع تفاصيله، ومن الضروري التوقف عند بعض النقاط ذات الصلة بتنفيذه ومنها: معالجة أوضاع ومشكلات دور الحماية أو الإيواء التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، التي لم تستطع أن تبني لنفسها سمعة يمكن الاعتماد عليها مستقبلاً للقيام بهذا الدور الحساس. وهذا يشمل نُظمها الداخلية وكوادرها والقوى العاملة فيها، كي تستطيع هذه الدور أن تقدم المأوى والرعاية للاجئين إليها. حين تتعرض المرأة المتزوجة لإيذاء متكرر وغير قابل للعلاج، فإن الطلاق هو المخرج، ولكن ما هي الحقوق التي ستنالها حينذاك؟ وهل سيكون في مقدرتها رعاية نفسها وأطفالها مع بقاء شرط المحرم الذي لا بدّ منه لتسيير حياتها؟ لذا من المهم الإسراع في سن قانون عصري للأحوال الشخصية يحفظ للمرأة حقوقها ويحميها من العوز ومواجهة تعقيدات الوصاية الذكورية المسيطرة بقوة على العلاقة بين الجنسين. من المفترض أن لا يقتصر الرصد والإبلاغ عن حالات الإيذاء على الجهات الرسمية، وإنما يشمل العاملين في القطاع الأهلي، ولكن فاعلية النشاط الفردي تبقى محدودة، بعكس النشاط الجماعي المقسم بين أعضاء الفريق، الذي يمكن الوصول إليه من خلال منظمات مجتمع مدنية تنشط في هذا المجال وتدرب أعضاءها على كيفية الرصد والتعامل مع مختلف حالات الإيذاء. ومن هنا تأتي الأهمية العالية لسن قانون يبيح تأسيس منظمات المجتمع المدني، حيث يمكن للمهتمين والناشطين تأطير مجهوداتهم ومنحها الستار القانوني الذي يجعلهم قادرين على خدمة المجتمع دون مساءلة رسمية. وختاماً، إن ما سيساعد على إنجاح تنفيذ هذا النظام، تخطينا لدوره كقانون، وتحول روحه إلى قناعة نمارسها في حياتنا اليومية بشكل تلقائي.