طالت يدُ التخريب مدينة طرابلس في شمال لبنان الأسبوع الماضي، حيث تم استهداف مسجدين يوم الجمعة بسيارات مفخخة. ووصل عدد القتلى إلى 45 شخصاً بينما جُرح نحو 400 شخص ما زالوا يتلقون العلاج. وقد وُجهت الاتهامات إلى «حزب الله» وسوريا بضلوعهما في حادثتي التفجير، طبقاً للهتافات التي انطلقت في جنازة تشييع ضحايا التفجيرين الدمويين في طرابلس. وأعلن سياسيون لبنانيون أن التفجيرين يهدفان إلى استدراج أبناء المدينة نحو ردّات فعلٍ تشكل حلقة في مسلسل الفتنة البغيضة التي يعمل لها أعداء لبنان. وكانت هيئة علماء المسلمين السنة قد دانت التفجيرين واتهمت النظام السوري بأنه يقف وراءهما، كما دعت الهيئة «حزب الله» إلى سحب عناصره من سوريا. كما اتهم تنظيم «القاعدة» في «بلاد المغرب العربي» «حزبَ الله» لمسؤوليته عن الهجومين متوعداً «الحزب» بأنه سينال «القصاص العادل»! وقد دان مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية التفجيرين واعتبرا أن ذلك محاولة لجرِّ لبنان إلى فتنة طائفية وضرب التعايش السلمي في لبنان. كما دان مجلس الأمن الدولي بقوة الهجمات الإرهابية، وأكد على ضرورة القبض على المسؤولين عنها وإحالتهم للعدالة. كما ناشد المجلس كل الشعب اللبناني الحفاظ على الوحدة الوطنية بوجه كل المحاولات التي تستهدف استقرار البلاد. وحسب مصادر لبنانية فإن أحد التفجيرين كان يستهدف الشيخ «سالم الرافعي» وهو شخصية سلفية سنية، وقد عُرف بدعواته السكانَ المحليين «في طرابلس» الانضمام إلى المعارضة ضد النظام السوري. بينما استهدف التفجير الثاني مسجداً يؤمه الشيخ «بلال بارودي» وهو سني سلفي أيضاً. وقد صدر بيان عن السيد «سعد الحريري» زعيم تيار المستقبل دان فيه التفجيرين، وقال البيان: «إن أهل الفتنة قصدوا طرابلس مجدداً ليزرعوا الموت على أبوب المساجد، ولينالوا من جموع المؤمنين والمصلين». وكان قائد الجيش اللبناني «جان قهوجي» قد أشار إلى أن «الجيش يخوض حرباً شاملة على الإرهاب»، وأضاف: «الخطورة بحسب معلوماتنا أن هذه الخلية لا تعد لاستهداف منطقة معينة أو طائفة معينة، بل تحضّر لبث الفتنة المذهبية عبر استهداف مناطق متنوعة الاتجاهات الطائفية والسياسية»! اللافت للنظر أن سوريا و«حزب الله» قد «دانا» التفجيرين، ودعيا إلى «إجراء التحقيقات الضرورية لمعرفة الجهات التي تقف وراءها»! وأشار بيان «حزب الله» إلى أن تلك التفجيرات «تخدم المشروع الإقليمي الدولي الخبيث الذي يريد تفتيت منطقتنا وإغراقها في بحور الدم والنار». واللافت أيضاً أن أهل الضاحية الجنوبية قد نظموا «وقفة تضامنية» مع أهالي طرابلس، ورفعوا لافتات تضامن وأقاموا نُصباً حداداً على شهداء التفجيرين! بصراحة، يحتار المواطن العربي في تحديد موقفه تجاه هذا الحدث!؟ فكل البيانات وكل الأطراف تُدين التفجيرين، وتعتبرهما ضمن المخططات الإرهابية التي تزرع الفتنة والكراهية بين طوائف الشعب اللبناني، وهل يعني أن إسرائيل -لا غيرها- هي المسؤولة عن التفجيرين، وهو ما درج عليه التاريخ في لبنان! وهذا منطق قد يجانبه الصواب، وقد يكون صحيحاً!؟. ولكن التجاذبات الطائفية في لبنان تجعلنا أكثر حيطة من تقبل الاتهامات أو التأكد من هوية من قام بالتفجيرين! المسألة جنائية وإرهابية واضحة، وهذا يتطلب شفافية متناهية في الكشف عن الجناة وتقديمهم إلى المحاكمة، مهما كانت انتماءاتهم أو عقائدهم! وما لم يتم ذلك فإن الأحوال لن تستقر في هذا البلد. وما لم تثبت الحكومة اللبنانية نفسها على كامل التراب اللبناني وتواجه الشعب بالحقيقة، وإن كانت مُرة، فلسوف تتوالى المتواليات الإرهابية ويزداد العنف والعنف المضاد ويكون لبنان وشعبه أول الخاسرين في اللعبة. لبنان كان مُحصناً من عدوى «الربيع العربي» كونه يستند إلى تاريخ ديموقراطي عريق يحكمه دستور ارتضاه اللبنانيون على كثرة انتماءاتهم ومذاهبهم وأديانهم. ويبدو أنه لا سبيل لزعزعة الأمن والاستقرار في هذا البلد إلا عبر الإرهاب الذي «يتبرأ» منه كل فاعليه أو مخططيه، بحيث يزرع الأرض جوراً وفساداً وهو «لقيط»!؟ وتلك من إشكاليات الواقع العربي، الذي هو الآخر، درج على «المواربة» و«التقية السياسية» التي لا يوجد لها نظير في العالم. وهذا ما أصّلَ عادة «التنصل» من المسؤولية أو قذفها على ضحية أخرى. لبنان اليوم على مفترق طرق، وجزء من أبنائه يقاتلون مع النظام السوري (وهم عناصر حزب الله)، وهذا مخالف لأبسط قواعد المواطنة، كون الحكومة اللبنانية قد نأت بنفسها عن الصراع الدائر في سوريا!. وهذا يجعل من «حزب الله» خصماً لدوداً للجماعة السنية التي تدعو إلى القتال ضد النظام السوري الذي أثبت جرأة وشجاعة فائقة في قتل الأطفال بالغاز السام من أبناء شعبه!. وللطائفة السنية في طرابلس الحق في مساندة الجيش الحر ومن معه. لذلك فإن أية تفجيرات أو حوادث هنا أو هناك سوف توجه أصابع الاتهام فيهما إلى المختلفين عقائدياً حتى لو كانوا خارج لبنان!. ولقد بيّنا تهديد «القاعدة» في بلاد المغرب العربي ل «حزب الله» وتوعده بأنه سينال «القصاص العادل»!؟. وقد تكشف لنا الأيام المقبلة مزيداً من المعلومات والاتهامات.