تكوين الجامعة لهيئة تدريس وطنية فيها وعلى درجة عالية من الكفاءة والامتياز، لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها. فهو في حاجة إلى وقت قد يطول، وفي حاجة إلى معايير اصطفاء عديدة وصارمة للمتميزين من خريجيها أو من غيرهم، وحوافز للانخراط في السلك الأكاديمي. ويضاف إلى ذلك الحرص على أن تنشأ في الأقسام الجامعية تقاليد وسنن من الجدية والجدارة والسمت العلمي نافية لذوي الهشاشة العلمية والادعاء ومحتفية بأهل النبوغ. لقد عرفنا امتياز بعض جامعاتنا السعودية بمعرفتنا القامات العلمية من أساتذتها الذين نقشوا لها بامتيازهم نقشاً لا يمّحي. وهذا هو ما يثير أكثر من سؤال عن موقف جامعاتنا وتوجهاتها في الحرص على امتلاك كفاءات أكاديمية وطنية نوعية، وفي تصاعد وتيرة الترقي لأجيال الأساتذة وتوليد طاقات أكثر امتيازاً لا مجرد التكرار والاستنساخ للأجيال السابقة أو الانحدار عنها. وفي هذا الصدد يجب أن نلحظ أن من المعايير المعمول بها في جامعاتنا للقبول في وظائف المعيدين والأساتذة والدراسات العليا تقدير التخرج، وقد غدا هذا التقدير لسنوات طويلة العامل الأكثر حسماً للقبول، ولم يكن هذا المعيار سليماً فامتحانات القياس تثبت الآن الفارق بين نتائجها الدقيقة ونتائج التقديرات المدرسية. أما المبتعثون العائدون من الخارج فهم عناصر مهمة جداً للإفادة منهم في التعيين على مراتب التدريس في الجامعة، لكن معاناة هؤلاء العائدين من البعثات في حاجة إلى التفات جاد من مديري الجامعات ووزارة التعليم العالي. فرؤساء الأقسام الذين يتقدمون إليها هم في الجامعات الناشئة غالباً من غير السعوديين وهؤلاء يخلقون أمامهم العقبات، وبعض المسؤولين القدامى نتاج تعليم قديم وعقلية لا تتلاءم مع ما بلغه هؤلاء الشباب من علم أكثر حداثة واختلافاً! أما اشتراط الجامعات تقديراً لا يقل عن جيد جداً في البكالوريوس فأمر يثير السخرية، لأن الأدلة الآن قائمة في امتحان القياس على أن هذا وفوقه تقدير الامتياز ليسا شرط جودة أبداً، والجامعات حين تضع هذا شرطاً تضع نفسها في موضع الفضيحة لأنه مخترق في أكثر من جامعة لدينا بأسماء محددة تم تعيينها على وظيفة معيد ومحاضر وما فوقهما وهي بتقدير جيد في البكالوريوس. وما تتمتع به الجامعات من سهولة التعاقد مع غير السعوديين أمر ينبغي أن يعاد فيه النظر فقيام كليات طب وصيدلة وهندسة –مثلاً- بكاملها من العميد إلى الأساتذة إلى رؤساء الأقسام من غير السعوديين يعني عدم توافر قدرة على أداء هذه الكليات أو الأقسام لمهمتها، ومن ثم فإن ابتعاث الطلاب إلى الخارج أولى وأوفر وأكثر ارتقاء بمستواهم. لكننا حين نتحدث عن سعودة أساتذة الجامعات وتوطينهم ينبغي ألا تغيب عن بالنا مسألة مهمة، فالجامعة لا تشبه البقالة أو سوق الخضار أو محلات بيع الملابس أو السكرتارية وما يشبهها من قطاعات العمل التي تهيمن عليها طريقة عملية بسيطة ومتشابهة. إن الجامعة بيئة تضايف وتلاقح وتفاعل وتنافس في تعلم المعرفة وفي تعلم إنتاجها، وهي –هكذا- أكثر تحسساً للفردية والاختلاف واستدعاء للعبقرية. لذلك كان تطعيم الأقسام بأفذاذ الأساتذة والباحثين من الجامعات العربية والعالمية ضرورة، وهو تطعيم محسوب بحساب نتائجه في خلق بيئة أكثر احتفالاً بالتميز وأدل على البحث عنه.