عبدالله علي المسيّان عندما سألوني في إحدى الصحف الإلكترونية ماهو طموحك؟ أجبت بلا تردد.. تَرْك التدريس والتفرغ للقراءة والكتابة والتأليف.. أي أن أحترف الكتابة.. أن تكون الكتابة هي حرفتي ومصدر رزقي!. وبالفعل "الاحتراف" في أي مجال هو الذي يساعد على نمو وتطور الموهبة. فكرة القدم لم تتطور إلا عندما تحوّل لاعبو الكرة من هواة إلى محترفين.. من لاعبين يضربون الكرة بأقدامهم كهواية.. إلى لاعبين يضربون الكرة كحرفة.. كمهنة.. كمهنة المعلم والمحامي والطبيب والطيّار.. وأي مهنة أخرى.. وفي مجال الكتابة هناك كُتّاب عمالقة لم يتطوروا في مجال الكتابة، إلا عندما تفرغوا للكتابة وتركوا مهنهم التي يشتغلونها.. ومنهم من فضّل الكتابة كمهنة على أي مهنة أخرى.. فالعقَّاد مثلاً اشتغل بعدة وظائف في الحكومة.. يدخل من وظيفة إلى وظيفة.. من مصلحة البريد إلى سكة الحديد إلى ديوان الأوقاف ووظائف أخرى كثيرة.. ولكنه فضّل في النهاية ترك "الوظيفة الحكومية" ليتفرغ للكتابة.. وكان يُعد الموظف "رقيق القرن العشرين".. وعندما تفرغ للكتابة زاد إنتاجه الأدبي ليؤلف قرابة المائة كتاب وآلاف المقالات.. وأستاذي أنيس منصور، كان يدرِّس الفلسفة في الجامعة لمدة عشرين عاماً.. وكان يمارس مع التدريس مهنة الكتابة.. ولكنه ترك التدريس في الجامعة ليتفرغ للقراءة والكتابة.. فألّف أكثر من مائتي كتاب.. في الأدب والسياسة والفلسفة.. وكتب القصص والمسلسلات والدراسات العلمية وترجم كتباً كثيرة. ومصطفى محمود الفيلسوف والكاتب المصري الشهير.. كان متخصصاً في الطب وتحديداً في الأمراض الصدرية.. ولكنه لم يمارس الطب وتفرغ للقراءة والكتابة.. واستطاع عندئذٍ أن يؤلف 89 كتاباً.. منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية إضافة إلى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات ويتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة.. ولدينا نحن السعوديين مثال حي.. الكاتب فهد الأحمدي وهو كاتب مقال يومي.. وله زاوية باسم "حول العالم".. ابتدأ الكتابة في جريدة عكاظ ثم انتقل إلى جريدة الرياض ليصبح أكثر الكُتَّاب السعوديين أجراً كما تقول موسوعة «ويكيبيديا».. والأحمدي كاتب «محترف».. أي أن الكتابة هي حرفته ومهنته ومصدر رزقه وليس له وظيفة أخرى.. أي أنه متفرغ للكتابة.. ولذا استطاع كتابة آلاف المقالات.. وقام بجمع هذه المقالات في كتابه «حول العالم».. ولا يزال طموحي مثل هؤلاء.. في أن أتفرَّغ للكتابة!..