يختلف الشعراء اليوم في رؤيتهم للعيد، فليس هناك رؤية واحدة يمكن تعميمها على الشعراء، غير أنّ هناك فرحاً ما يتلبّس بعض القصائد في عصرنا الحاضر لحظة ولادتها، لكنّ هذا الفرح مقيّد بماضٍ سعيدٍ وواقع أليم. في واقع الشعراء السعوديين اليوم قصائد مبتهجة لا تشبه تلك التي أورثنا إيّاها المتنبّي في عيده الذي يأتي ويمضي دونما جديد. فهل أصبح العيد لدى الشعراء اليوم مجرد ماضٍ يتغنّون به، أم أنّه ما زال حاضراً يشعرون به ويسعدون؟! بقاء وصمود إبراهيم طالع يشير الشاعر إبراهيم طالع الألمعي، إلى أن للعيد آثار أقدام الأم المنقوشة على مدرّجات المزارع قبل أن تأكلها طفرة النفط، وهو وجه الأب بحناء لحيته ووقْدِ عينيه الممتلئتين زمنا من الحياة والشِّيم والإيثار، وأنه رقصات الأطفال الذين يضحكون علينا في الواقع بما حقنّاهم من قيَمِ الزَّيف، والهدايا الكرتونية التي لم تصنعها أيدينا ولم ندر ما وراءها من مِتَع. ومع ذلك ما زال طالع يرى العيد مصرّاً على البقاء والصمود بعكسنا حين نصرُّ على الذّوبان ببساطة ودون أدنى مقاومة، وهذا النضال ما زال في القرية صامداً وإن خذله الأهل والأقربون، فما زال مصراًّ على الوقوف وإن افتقدَ أطفاله من بنات وأبناء لم تعدْ تُزهرُ بهم قريتهم حتى يوم العيد، مشيراً إلى أن القرية خلتِ من السيارة واكتظَّت بالسيارات البخارية، وجفَّت أغاني الصبايا في طرقاتها وحناياها. إلاّ أنّه لا يخفي سؤال: أيهما سينتصر.. العيد الصامد، أم البشر الذين يعانون من ترهُّل الانتماء بدعوى التَّحضر؟، وكأن التحضر ينحصر في أرصفة نحاسية صدئة بعيداً عن عناق الأهل بعد ركعتي العيد عناقاً بطول الفراق والتباعد والتشتت الأسري المريع بين الأهل والأحبة وذوي الرحم، بحسب طالع الذي يقول في إحدى قصائده عن العيد: «ما عدتَ وحدَك مِثْلَناَ يا عيدُ/ تبكيكَ في وجهِ المدائنِ غِيْدُ/ كلُّ الدماءِ تبدّلتْ ألوانُها/ والغيدُ هاجرَ مثْلَهُنّ العيدُ/ بينَ المدينةِ والحياةِ مسافةٌ/ هيَ وحشةُ الأحياءِ حينَ تميدُ» مجرد أعراف زكي الصدير أما الشاعر زكي الصدير فلا يخفي في رؤيته أنّ العيد ماضٍ يتلبّسنا، وحاضر يؤلمنا، فهو يتساءل عن العيد الذي كان غيمة، وضوءاً، وأصبح مجرد أعراف تغيب في الواقع، إذ يقول في قصيدة له: «العيدُ غيمتُنا.. تنفّسُ عمْرِكَ المنذورِ للأشعارِ والألمِ المزوّقِ في دفاترِنا، وفي كلّ الشوارعِ حيثُ نمتَ، ولم تكنْ إلا روائياً تمشّطُ من عجينِ الأرضِ قصتَكَ الأخيرةَ والوحيدة! كنتَ في الأشكالِ قنّاصاً وبينَ يديكَ مئذنة وفي الأعرافِ كنتَ تبشّر الناجينَ: يا ضوءاً على لغةِ البدايةِ، أينَ أنتَ الآنَ؟ كيفَ لموعدينِ اثنينِ أنْ يرثوكَ في منفاك؟!». وجه الحبيب الحسن آل خيرات فيما يرى رئيس نادي جازان الأدبي المكلّف الشاعر الحسن آل خيرات، العيد مقيداً بوجه حبيبه، وابتسامته، فلا معنى، ولا لغة، ولا حياة دونه، ويقول في إحدى قصائده: «العيدُ وجهُ حبيبي وابتساماتُه.. مِن دونهِ تَحجبُ الأفراحَ غيماتُه حتى أراه.. بلا معنى ولا لغةٍ عمري.. ولا عالمي تشدو حَماماتُه العيدُ يمتدّ.. لا يمتدُّ غيرَ لَنا.. وليس إلا لنا تحلو مقاماتُه صباحُك العيدُ يا عيدَ الصباح.. بلا هالاتِ وجهكِ ما للعيدِ هالاتُه من وجنتيك احمرارٌ فوق وجنته ويا سمينُك والحنّاءُ زيناتُه وثورةُ الكحل في عينيكِ ثورتُه وبعضُ باقيهما في الكأس كاساته». بوصلة الحنين إبراهيم حلوش إلاّ أنّ الشاعر الشاب إبراهيم حلوش يرى العيد بوصلةٌ للحنين وشرفة بيضاء تتسرّب إليها شموس الوصل وتعابثها فراشات الصّفاء، معتبراً العيد بوّاباتٌ خضراء مشرعة للحُبّ والشوق، وذاكرة يضمّخها البياض والصدق والعطاء، وواقعٌ نحاول أن نعيده إلى اخضراره، ويكتب في قصيدة له: «هذا هو العيدُ أفراحٌ وبسملةٌ وبسمةٌ وأغاريدٌ وآمالُ عيدٌ به تخفق الأحلام هانئةً وشعلةُ الحُبّ في جنبيه تختالُ».